وأما صاحبنا المسعودي في كتابه الآخر (أخبار الزمان) فهو يتحدث عن محاولات ومغامرات اكتشاف أسرار الأهرام في القرون الأولى , والتي يطيل هذا الرحالة في وصف ما فيهامن المغارات والطرق الملتوية المتعرجة والرسوم على الجدران والذهب الهائل الذي يكون في السرير والمراكب والجدران والتماثيل والتوابيت وغير ذلك , وهذه القصص هي التي كان البعض يضعف بها المسعودي لغرابة القصة آنذاك وأعجوبتها وقد عدها بعض الناس في أزمان سابقة من الأساطير والهوس التاريخي , وأما اليوم فهي صور حقيقة مثل التي تعودنا عليها والتي تصور عبر التلفزيون لمكتشفي الأهرامات , ولو نقلت كلامه حرفياً لطالت بنا الصفحات فمن أراده فليرجع إليه.
وإذا انتقلنا لكاتب رحالة آخر فسنجد أبي الحسن الهروي المتوفى سنة (611) , وهي العصور التي كانت أوربا تسميها بعصور الظلام لها , فهو يحدثنا عن مشاهداته , ويذرع بنفسه , ويكتب مذكراته وذكرياته بلغة بديعة , وهو رحالة إسلامي لم يدرك بلداً من بلدان المسلمين إلا دخلها حتى قال عنه ابن خلكان: " إنه لم يترك براً ولا بحراً ولا سهلاً ولا جبلاً من الأماكن التي يمكن قصدها ورؤيتها إلا رآه , ولم يصل إلى موضع إلا كتب خطه في حائطه و ولقد شاهدت ذلك في البلاد التي رايتها مع كثرتها ".
قال الهروي في كتابه (الإشارات إلى معرفة الزيارات) ص (41): " الأهرام , من عجائب الدنيا , وليس على وجه الأرض شرقيها وغربيها عمارة أعجب منها ولا أعظم ولا أرفع , ورأيت بديار مصر أهراماً كثيرة خمسة كبار والباقي صغار , فأما الكبار فاثنان عند الجيزة , واثنان عند قرية يقال لها دهشور , وهرم عند قرية يقال لها (ميدوم) , وقد اختلفت أقاويل الناس فيها وفيمن بناها وما أريد بها , فمنهم من قال إنها قبور الملوك , ومنهم من قال إنما عملوها خوف الطوفان , .... مساحة كل وجه منها على وجه الأرض أربعمائة ذراع وارتفاعها في الجو يقارب أربعمائة ذراع بذراع العظم ...... (وبعد أن ذكر أن المأمون فتح الهرم الأكبر ووصف ما يشاهده الناس اليوم , قال:) يقول مؤلف هذا الكتاب: دخلت إلى هذا الهرم وصعدت إليه ورأيت هذا الحوض ... ) انتهى المراد من كلامه.
ثم وصف الهروي بلاد الصعيد وما فيها من العجائب القديمة وذكر أنه شاهد المومياء , وجثث البشر والوحوش المحنطة ووصف جثث الجواري ولعلها اليوم ما يسمى بملكات مصر , ورأى الأموال ونحوها فتذكر قوله قوله تعالى: (ودمرنا ماكان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون).
وينتقل الهروي بعد ذلك إلى أكثر قرى الصعيد فيف أثارها ومنها أخميم و أنصنا حتى يصل مكان في الأرض مليء بالآثار كما يقول الغرب اليوم وهي في الجنوب من مصر , وتمتلئ بألوف السياح من شتى أقطار الأرض , فيقول وكلامه هذا في القرن السادس الهجري ص (44): " مدينة الأقصر: بها من الآثار والقصور والأصنام وصور السباع والدواب مال م أر مثله في بلاد الصعيد ولا في غيرها , وذرعت يد صنم من الحجر المانع فكان من المرفق إلى مفصل الكف سبع أذرع , وكان في يدي سعفة من جريد النخل فعملتها قلماً وكتبت على صدر هذا الصنم: بسم الله الرحمن الرحيم " أولم أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " , وأرخت الكتابة فجاءت من ثدي الصنم إلى ثديه وكتبت تحت هذه الكتابة:
أين الجبابرة الأكاسرة الأولى ....... كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه ....... حتى ثوى فحواه لحد مطبق
رحم الله من نظر واعتبر." انتهى المراد من كلامه رحمه الله.
¥