[ابن تيمية في القاهرة .. وحياته بجوار مشهد الحسين ... والسجون الرهيبة ..]
ـ[خضر بن سند]ــــــــ[05 - 04 - 09, 05:13 م]ـ
هذه حلقة أخرى من الخواطر عن مصر وأهلها .....
وقد نشرت بعض الخواطر هنا ونقلت لمنتديات أخرى ... وجرى فيها من النقاش شيئ مفيد ..
والكلام في هذه الخاطرة عن حياة شيخ الإسلام ابي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية في مصر ,,,, وليست دراسة علمية تفصيلية , بل خواطر وسوانح لعل الناظر فيها يجد متعة وسلوى في زمن كثرت فيه الأهواء وتعددت فيه الأراء , وتقلبت النفوس يمنة ويسرة ... والله الهادي إلى سواء السبيل ..
********************
ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم) مفخرة المسلمين في مطلع القرن الثامن , بل مفخرة العقل البشري , هاهو يأتي من دمشق يتجول بين المساجد المصرية والسجون ليحارب الخرافة والصوفية.
يصارع في الإسكندرية بقايا الفلاسفة والمبتدعة , وللمبتدعة والفلاسفة شأن معه , فيهدم قواعد أرسطو اليوناني , ويهدم أركان مدرسة الإسكندرية الفلسفية , أخذ ابن تيمية يتفحص كُتب موسى بن ميمون اليهودي الأندلسي ت (605) الذي سكن مصر في القاهرة سبعاً وثلاثين سنة وبقي أثره في ديانة اليهود بل الفكر اليهودي إلى اليوم , حتى تعدى أثره إلى الفرق الإسلامية , نظر إلى كتاب دلالة الحائرين لهذا اليهودي فوجد مسائل عجيبة وخطيرة فنقضها وبين عوارها وحررها , ابن تيمية ناقشها بعقلية متفتحة فلم يقف علمه عند علماء المسلمين فقط , ولم ينجرف في تيارات الهوى ليعظّم غير الكتاب والسنة.
اليهودي بن ميمون عاش في بلاد المسلمين تحت رعاية دولة الإسلام , هرب من ظلم النصارى في الأندلس , هرب من المجازر والوحشية , وجاء لأمة الإسلام , انتشرت أفكار ابن ميمون اليوم حتى تأثر بها واعتقدها كثير من فلاسفة اليهود وعلى رأسهم الهولندي اسبينوزا , الذي نقلها بدوره للفكر العالمي وأصبحت من معالم الفكر أو بعبارة أخرى (الإنحراف الفكري) اليوم في العالم.
هاهو ابن تيمية أيضاً يطالع كتب البطريرك الأكبر للأرثوذكس بالإسكندرية (سعيد ابن البطريق) ت (382) الذي سمي بعد تنصيبه كبيراً للنصارى (أنتيشيوس) , ويبطل ما فيها في كتاب الجواب الصحيح بنفس عالم متخصص رحيم بالناس مشفق عليهم من الضلالة.
دعا ابن تيمية لهدم مباني أرسطو الفلسفية وعدم المبالغة فيها , وقال للناس بلسان واضح وكتب محررة طويلة إن كلام الفلاسفة ليس قرآناً معصوماً , فقامت ثائرة المقلدين المفتونين , حتى جاء العلم الحديث وقذف بقوانين أرسطو عرض الحائط واتخذوا مبدأ العلم التجريبي , يذكر الناس المفتونين بالغرب (فرنسيس بيكون) وينسبون إليه بداية الثورة على مذهب أرسطو وأنه فند أفكاره وحملها إلى المقبرة بعد أن هدم أكثرها وأبطلها ورمم بعضها وجعلها صالحة للحياة , يذكرون هذا وينسون أبا العباس ابن تيمية الذي تحدث قبله بمئات القرون , كثير من كتب ابن تيمية الفلسفية لازالت تنم عن عقل سبق زمانه بمراحل كثيرة , وكثير من آرائه لازالت حية طرية تبحث عمن يقتنصها.
وهذا العالم المقاوم للفلسفة بكل تمكن واقتدار تراه وهو يحذر من غلو وشطحات المتصوفة , ابن تيمية رجل له مقولات ومؤلفات في الورع , عابد زاهد متعفف عما في أيدي الناس يصفه أعدائه وخصومه بتأله وعبادة وله مسائل في أعمال القلوب لا تصدر إلا من قلب مشتغل بالبحث عن مثل هذه الدقائق , إلا أن الغلو المقيت لا يقبله , والشطح والكذب على الشريعة لا يرضاه , فهو لا يريد تقديساً وغلواً في مكانة العقل البشري القاصر كما فعل الفلاسفة الذين هدموا منار الدين وفتحوا باب الإلحاد , ولا يريد إلغاء وتهميشاً للعقل كما نادى المتصوفة , فلذلك جاهر بحرب البدع حتى الموت.
عاش في مصر سنين وهو يصارع البدعة , يبين للناس الصواب , وهو بعيد عن دمشق البلد التي أحبها وعشقته , هاهو يتجول في طرقات القاهرة العتيقة , ويتجول في الأرياف المصرية الرائعة , سبع سنوات قضاها ينشر الخير للناس , هاهي المناظرات العلنية , هاهو ينادي يا أيها الناس: (أعبدوا الله مالكم من إله غيره) , قلمه يخترق الممنوع وهو يقول يا عباد الله: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم).
¥