تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكنت مدة إقامتي بدمشق ملازمه جل النهار وكثيرا من الليل وكان يدنيني منه حتى يجلسني إلى جانبه وكنت اسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها ويقطع ذلك الوقت كله اعني من الفجر إلى ارتفاع الشمس في تكرير تلاوتها

ففكرت في ذلك لم قد لزم هذه السورة دون غيرها فبان لي والله اعلم ان قصده بذلك ان يجمع بتلاوتها حينئذ بين ما ورد في الأحاديث وما ذكره العلماء هل يستحب حينئذ تقديم الأذكار الواردة على تلاوة القرآن أو العكس فرأى رضي الله عنه ان في الفاتحة وتكرارها حينئذ جمعا بين القولين وتحصيلا للفضيلتين وهذا من قوة فطنته وثاقب بصيرته).

السؤال / هل هناك بأس لو اقتديت بشيخ الإسلام في هذا الأمر

وجزا الله خيرا من بصرنا ورفع عنا الجهل

لا حرج إن شاء الله في هذا-دون تحديد التلاوة بعدد معين- فالقرآن يقرأ في كل وقت مع التكرار او من غير تكرار خاصة إذا وجد القارئ لذة في تلاوته وأحس باجتماع القلب في ذلك الوقت، ولعل شيخ الإسلام كان وقتها-حين لازمه الحافظ البزار في دمشق-كان قلبه مشدودا مع القرآن أكثر من الذكر والأوراد، وإلا فقد نص هو على أن أذكار الصباح والمساء فعلها في وقتها أفضل من غيرها من القربات، يقول رحمه الله -مقررا لهذا الأصل:

سئل ابن تيمية عمن يحفظ القرآن أيما أفضل له: تلاوة القرآن أم الذكر؟

فأجاب: "الحمد لله، جواب هذه المسألة ونحوها مبني على أصلين: فالأصل الأول أن جنس تلاوة القرآن أفضل من جنس الأذكار، كما أن جنس الذكر أفضل من جنس الدعاء، كما في الحديث الذي في صحيح مسلم عن النبي أنه قال: ((أفضل الكلام بعد القرآن أربع، وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) وفي الترمذي عن أبي سعيد عنه أنه قال: ((من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) وكما في الحديث الذي في السنن في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزئني في صلاتي، قال: ((قل: سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))، ولهذا كانت القراءة في الصلاة واجبة، فإن الأئمة لا تعدل عنها إلى الذكر إلا عند العجز، والبدل دون المبدل منه، وأيضا فالقراءة تشترط لها الطهارة الكبرى دون الذكر والدعاء، وما لم يشرع إلا على الحال الأكمل فهو أفضل، كما أن الصلاة لما اشترط لها الطهارتان كانت أفضل من مجرد القراءة، كما قال النبي: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة))، ولهذا نص العلماء على أن أفضل تطوع البدن الصلاة، أيضا فما يكتب فيه القرآن لا يمسه إلا طاهر، وقد حكي إجماع العلماء على أن القراءة أفضل، لكن طائفة من الشيوخ رجحوا الذكر، ومنهم من زعم أنه أرجح في حق المنتهي المجتهد، كما ذكر ذلك أبو حامد في كتبه، ومنهم من قال: هو أرجح في حق المبتدئ السالك، وهذا أقرب إلى الصواب.

وتحقيق ذلك يذكر في الأصل الثاني، وهو أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصيره أفضل من ذلك، وهو نوعان:

أحدهما ما هو مشروع لجميع الناس، والثاني ما يختلف باختلاف أحوال الناس.

أما الأول: فمثل أن يقترن إما بزمان أو بمكان أو عمل يكون أفضل، مثل ما بعد الفجر والعصر ونحوهما من أوقات النهي عن الصلاة، فإن القراءة والذكر والدعاء أفضل في هذا الزمان، وكذلك الأمكنة التي نهي عن الصلاة فيها كالحمام وأعطان الإبل والمقبرة، فالذكر والدعاء فيها أفضل، وكذلك الجنب الذكر في حقه أفضل، والمحدث القراءة والذكر في حقه أفضل، فإذا كره الأفضل في حال حصول مفسدة كان المفضول هناك أفضل، بل هو المشروع، وكذلك حال الركوع والسجود فإنه قد صح عن النبي أنه قال: ((نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم))، وقد اتفق العلماء على كراهة القراءة في الركوع والسجود، وتنازعوا في بطلان الصلاة بذلك على قولين، هما وجهان في مذهب الإمام أحمد، وذلك تشريفا للقرآن، وتعظيما له أن لا يقرأ في حال الخضوع والذل، كما كره أن يقرأ مع الجنازة، وكما كره أكثر العلماء قراءته في الحمام، وما بعد التشهد هو حال الدعاء المشروع بفعل النبي وأمره، والدعاء فيه أفضل، بل هو المشروع دون القراءة والذكر، وكذلك الطواف، وبعرفة ومزدلفة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير