الحمد لله
تتحمل المرأة من آلام الولادة الشيء الكثير، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) الأحقاف/15.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أي: بمشقة من الطلق وشدته " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (7/ 280).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" ومعنى: " وضعته كرهاً ": أنها في حالة وضع الولد تلاقي من ألم الطلق وكربه مشقة شديدة كما هو معلوم. وهذه المشاق العظيمة التي تلاقيها الأم في حمل الولد ووضعه، لا شك أنها يعظم حقها بها، ويتحتم برها والإحسان إليها كما لا يخفى " انتهى.
"أضواء البيان" (7/ 326).
غير أن ذلك لا يقتضي منع المرأة من اتخاذ التدابير المخففة من آلام الوضع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (لم يكن يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً) رواه البخاري (3560).
فالمسلم يسعى في إزالة كل ما يؤذيه أو يضره، فإذا قَدَّر الله عليه من الشدة ما لا يجد لها مخرجاً، فالواجب عليه أن يصبر على قدر الله تعالى.
وهذا كلامٌ لابن مسعود رضي الله عنه يبين هذا المعنى:
عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل: (أأتسوك وأنا صائم؟ قال: نعم. قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت، إن شئت غدوة، وإن شئت عشية. قلت: فإن الناس يكرهونه عشية، قال: ولم؟ قلت: يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). فقال: سبحان الله! لقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لا بد أن يكون بفي الصائم خلوف وإن استاك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا، ما في ذلك من الخير شيء، بل فيه شر، إلا من ابتلي ببلاء لا يجد منه بدا. قلت [أي عبد الرحمن بن غنم]: والغبار في سبيل الله أيضا كذلك، إنما يؤجر فيه من اضطر إليه ولم يجد عنه محيصاً؟ قال: نعم، وأما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له من ذلك من أجر).
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/ 70) وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/ 202): بإسناد جيد.
فلا حرج على المرأة أن تأخذ ما يخفف عنها آلام الولادة، بل هذا أقرب إلى مقاصد الشرع، لما فيه من التخفيف والتيسير.
وانظري جواب السؤال رقم (110531) فقد نقلنا فيه فتوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في ذلك.
وأما من حيث الأجر، فأمر ذلك إلى الله تعالى.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islamqa.com/ar/ref/112702/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AF%D8%A9
تخشى أن تحرم الثواب إن أجرت عمليات للولادة من غير آلام
يوجد عدة طرق لتخفيف الألم أثناء الولادة، قد يصل بعضها إلى عدم الشعور بأية آلام، ولكني أعرف أن في هذا الألم ثواباً جزيلاً، فهل سأنال هذا الثواب إذا كانت الولادة بدون ألم؟
الحمد لله
كل ما يصيب المؤمن من تعب أو مشقة أو ألم فإنه يكفر عن خطاياه، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري (5642) ومسلم (2573).
وليس معنى ذلك أن يطلب الإنسان المشقة، ولا يحاول تجنبها، بل كلما كان الفعل أيسر وأسهل كان أقرب إلى محبة الله تعالى، ما لم يكن إثماً ولهذا قالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا) رواه البخاري (3560). وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) رواه أحمد (5832) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (564).
وعلى هذا، فلا حرج من استعمال ما يؤدي إلى تخفيف الألم عند الولادة، أو عدم حصوله تماماً، وعملية الولادة لا تخلو من مشقة ومخاطرة، وفضل الله تعالى واسع.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين:
سائلة تقول بأنها امرأة ضعيفة الجسم، وقد ولدت طفلاً بصعوبة، أعطوها مادة سائلة يقولون بأنها طلق صناعي لأن طلقها ضعيف، ومع هذا الطلق الصناعي تقول كأنني أشعر كأني أفقد عقلي، وتعبت كثيراً بعد الولادة، وظل التعب لمدة سنة تقريباً، تقول بأنها حملت بعد ذلك بابنها الثاني فنصحها البعض بالذهاب إلى مستشفى خاص، وأعطوها إبرة تخدير لأنها لن تتحمل الطلق الصناعي، أيضاً تقول بعد أن أعطوني إبرة التخدير لم أشعر بألم الولادة، ونمت قليلاً.
هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ، تقول لأنها حامل في شهرها الثالث؟
أرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؛ لأن البعض أخبرني بأن هذا لا يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" إذا كانت المرأة يشق عليها الطلق والولادة، وأخذت من الأدوية المباحة ما يعينها على ذلك، فإن هذا لا بأس به، وهو من باب التنعم بنعم الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى من كرمه وجوده وفضله يحب لعباده أن يتنعموا بنعمه التي مَنَّ بها عليهم، ويحب من عبده أن يرى أثر نعمته عليه، واستعمال هذه المسكنات أو المقويات في الطلق أو ما أشبه ذلك من الأشياء المباحة لا بأس به ولا حرج؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحب اليسر لعباده، كما قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (الجنائز/الأحكام الطبية).
أما مقدار الثواب، فهذا أمره إلى الله تعالى.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islam-qa.com/ar/ref/110531
¥