فضيلة الشيخ: كيف نوفق بين قول الله عز وجل: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29] وبين مراجعة الرسول لربه في حديث الإسراء في تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس صلوات؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب:
(لا تعارض بين قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [قّ:29] وبين ما ذكرت، فهل قال الله تعالى: ما نبدل القول؟ لا.
إنما قال: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29] فإنه: {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس:64] لا أحد يستطيع أن يبدل كلمات الله.
وإذا قلنا: الآية مبنية لما لم يسمَّ فاعله، وأنه هو نفسه لا يبدل ما قال عز وجل؛ فنقول: إن ما حدث من مراجعته عليه الصلاة والسلام ربه في الصلاة كان لإتمام القول الذي ارتضاه أولاً أنها خمس، لكنه عز وجل شرع لنبيه خمسين لحكمة، وهي ظهور مدى تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يفرضه الله عليه هذا من وجه.
والوجه الثاني: أن يكتب لهذه الأمة أجر خمسين صلاة؛ لأننا الآن نصلي خمساً لكننا كالذي يصلي خمسين، ليس من باب أن الحسنة بعشر أمثالها، فكل عمل صالح الحسنة فيه بعشر أمثالها، لكن من باب أن الصلاة الواحدة تكتب لنا عشر صلوات، وهذه نعمة كبيرة، وهي من حكمة الله عز وجل ورحمته.
فيكون الأصل هو القول الأول الذي ارتضاه الله عز وجل وقضى بأنها ستكون خمس صلوات، لكنه فرضها خمسين لهذه الحكمة؛ أولاً: ليظهر مدى تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم لفرائض الله تعالى، وإن كانت في صورة شاقة، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس قبولاً لما ألزمه به ربه تبارك وتعالى.
وثانياً: من أجل أن يكتب للأمة أجر خمسين صلاة مع أن الأمة تؤديها خمساً بالفعل، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة) اهـ.
(لقاء الباب المفتوح) الشريط (49) ب.
(13) التوفيق بين حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أنس: (رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم).
السؤال:
فضيلة الشيخ: نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن ابن حزم أنه قال: صح حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أنس: (رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم) وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به؛ لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً انتهى.
وذكر الحافظ -أيضاً- حديثاً عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمها إبقاءً على أصحابه) وهذا أيضاً ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى وقال: إسناده صحيح، والجهالة بالصحابي لا تضر، فكيف نوفق بين هذه الأدلة وبين ما ذهبتم إليه -حفظكم الله- من إفطار الصائم بالحجامة؟
الجواب:
(نرد على هذا بما رد به الإمام أحمد: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) وحديث أنس بن مالك الذي أشرت إليه ضعيف هذا أمر.
الأمر الثاني: إن قولنا بالإفطار هو من مصلحة الصائم في الواقع؛ لأن من المعروف أن الإنسان إذا سحب منه الدم فسوف يلحقه هزال ومشقة وتعب، فإذا قلنا: إنه يفطر بالحجامة، معناه أنك لا تحتجم إلا للضرورة، فإذا كنت صائماً صيام فرض واحتجمت للضرورة فكل واشرب واقض ذلك اليوم، والآخرون يقولون: إذا احتجمت للضرورة فلابد أن تبقى على صومك ولو كنت في غاية ما يكون من الضعف.
فصار القول بأنه يفطر هو الأيسر الذي تقتضيه مصلحة الصائم وتدل عليه الأدلة الشرعية؛ لأننا نقول: إن كنت لا تحتاج إلى الحجامة فلا تحتجم إلا في الليل، وإن كنت تحتاج إليها ولابد -كما لو هاج به الدم- فنقول: احتجم، ونرخص له أن يأكل ويشرب حتى يستعيد قوته؛ فتبين بهذا أن القول بأنها تفطر هو القول الموافق للحكمة.
وقد حقق شيخ الإسلام رحمه الله ذلك في رسالة له صغيرة تسمى: حقيقة الصيام، ومن أحب أن يتسع له الجواب فليرجع إليها.
والتبرع بالدم مثل الحجامة، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتبرع بالدم وهو صائم صيام فرض إلا للضرورة، فإذا اضطر الذي يحتاج للدم، فإنه يسحب منه، ويأكل ويشرب) اهـ.
(لقاء الباب المفتوح) شريط (49) ب.
¥