تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

( .. وبعض أهل العلم حكى الإجماع على عدم قتل النساء والصبيان، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام النهي عن قتل النساء والصبيان في الأحاديث الصحيحة , وقد جاء في أحاديث السنن النهي عن قتل الرهبان والشيوخ الفانين وأشباههم، وذكر بعض أهل العلم أن آية السيف وهي قوله جل وعلا: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (1) الآية، ليست ناسخة ولكن الأحوال تختلف , وهكذا قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (2) الآية , وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (3) وهكذا قوله سبحانه: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (4) وهكذا قوله سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (5)

فهذه الآيات وما في معناها قال بعض أهل العلم ليست ناسخة لآيات الكف عمن كف عنا وقتال من قاتلنا وليست ناسخة لقوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (6) ولكن الأحوال تختلف فإذا قوي المسلمون وصارت لهم السلطة والقوة والهيبة استعملوا آية السيف وما جاء في معناها وعملوا بها وقاتلوا جميع الكفار حتى يدخلوا في دين الله أو يؤدوا الجزية إما مطلقا كما هو قول مالك - رحمه الله - وجماعة , وإما من اليهود والنصارى والمجوس على القول الآخر.

وإذا ضعف المسلمون ولم يقووا على قتال الجميع فلا بأس أن يقاتلوا بحسب قدرتهم ويكفوا عمن كف عنهم إذا لم يستطيعوا ذلك فيكون الأمر إلى ولي الأمر إن شاء قاتل وإن شاء كف , وإن شاء قاتل قوما دون قوم على حسب القوة والقدرة والمصلحة للمسلمين لا على حسب هواه وشهوته، ولكن ينظر للمسلمين وينظر لحالهم وقوتهم , فإن ضعف المسلمون استعمل الآيات المكية , لما في الآيات المكية من الدعوة والبيان والإرشاد والكف عن القتال عند الضعف. وإذا قوي المسلمون قاتلوا حسب القدرة فيقاتلون من بدأهم بالقتال وقصدهم في بلادهم ويكفون عمن كف عنهم فينظرون في المصلحة التي تقتضيها قواعد الإسلام وتقتضيها الرحمة للمسلمين والنظر في العواقب كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة وفي المدينة أول ما هاجر، وإذا صار عندهم من القوة والسلطان والقدرة والسلاح ما يستطيعون به قتال جميع الكفار أعلنوها حربا شعواء للجميع , وأعلنوا الجهاد للجميع كما أعلن الصحابة ذلك في زمن الصديق وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - وكما أعلن ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته بعد نزول آية السيف , وتوجه إلى تبوك لقتال الروم وأرسل قبل ذلك جيش مؤتة لقتال الروم عام 8 من الهجرة وجهز جيش أسامة في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا القول ذكره أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - واختاره، وقال: إنه ليس هناك نسخ ولكنه اختلاف في الأحوال؛ لأن أمر المسلمين في أول الأمر ليس بالقوي وليس عندهم قدرة كاملة أذن لهم بالقتال فقط , ولما كان عندهم من القدرة بعد الهجرة ما يستطيعون به الدفاع أمروا بقتال من قاتلهم وبالكف عمن كف عنهم , فلما قوي الإسلام وقوي أهله وانتشر المسلمون ودخل الناس في دين الله أفواجا أمروا بقتال جميع الكفار ونبذ العهود وألا يكفوا إلا عن أهل الجزية من اليهود والنصارى والمجوس إذا بذلوها عن يدهم صاغرون.

وهذا القول اختاره جمع من أهل العلم واختاره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عند قوله جل وعلا في كتابه العظيم: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (7)

وهذا القول أظهر وأبين في الدليل؛ لأن القاعدة الأصولية أنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع بين الأدلة , والجمع هنا غير متعذر , كما تقدم بيانه، والله ولي التوفيق) اهـ.

(مجموع الفتاوي) ج18 ص130 - 133


(1) سورة التوبة الآية 5
(2) سورة التوبة الآية 73
(3) سورة التوبة الآية 123
(4) سورة التوبة الآية 36
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير