تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خامساً: توضيح حقيقة عيد شم النسيم وأمثاله من الأعياد التي عمت وطمت في هذا الزمن، وبيان حكم الاحتفال بها لمن اغتر بذلك من المسلمين، والتأكيد على ضرورة تميز المسلم بدينه، ومحافظته على عقيدته، وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في شعائرهم الدينية كالأعياد، أو بما يختصون به من سلوكياتهم وعاداتهم؛ نصحاً للأمة، وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بإقامته صلاح البلاد والعباد.

والواجب على علماء مصر أن يحذروا المسلمين من مغبة الاحتفال بعيد شم النسيم، أو مشاركة المحتفلين به، أو إعانتهم بأي نوع من أنواع الإعانة على إقامته، وحث الناس على إنكاره ورفضه؛ لئلا يكون الدين غريباً بين المسلمين.

وقد لاحظت أن كثيراً من إخواننا المسلمين في مصر يحتفلون بهذا العيد ولا يعرفون حقيقته وأصله، وحكم الاحتفال به، وبعضهم يعرف حقيقته، ولكنهم يقللون من خطورة الاحتفال به ظناً منهم أنه أصبح عادة وليس عبادة، وحجتهم أنهم لا يعتقدون فيه ما يعتقده الفراعنة أو اليهود والنصارى، وهذا فهم خاطئ فإن التشبه في شعائر الدين يؤدي إلى الكفر سواء اعتقد المتشبه بالكفار في هذه الشعيرة ما يعتقدون فيها أم لم يعتقد. بخلاف التشبه فيما يختصون به من السلوكيات والعادات فهو أخف بكثير، ولا سيما إذا انتشرت بين الناس ولم تعد خاصة بهم، وكثير من الناس لا يفرق بين الأمرين.

ولذا نرى المسلم يأنف من لبس الصليب؛ لأنه شعار النصارى الديني بينما نراه يحتفل بأعيادهم أو يشارك المحتفلين بها، وهذا مثل هذا إن لم يكن أعظم؛ لأن الأعياد من أعظم الشعائر التي تختص بها الأمم.

وكون عيد شم النسيم تحول إلى عادة كما يقوله كثير من المحتفلين به وهم لا يعتقدون فيه ما يعتقده أهل الديانات الأخرى لا يبيح الاحتفال به؛ ودليل ذلك ما رواه ثابت بن الضحاك ـ رضي الله عنه ـ قال: "نذر رجل على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينحر إبلاً ببوانه، فأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم" (15)

فيلاحظ في الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتبر أصل البقعة، ولم يلتفت إلى نية هذا الرجل في اختيار هذه البقعة بعينها، ولا سأله عن ذبحه لمن يكون: أهو لله تعالى أم للبقعة؛ لأن ذلك ظاهر واضح أنه يريد الذبح لله تعالى، وإنما سأله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن تاريخ هذه البقعة: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ وهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ فلما أجيب بالنفي أجاز الذبح فيها لله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: وهذا يقتضي أن كون البقعة مكاناً لعيدهم مانع من الذبح بها وإن نذر، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا لما انتظم الكلام ولا حسن الاستفصال، ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها أو لمشاركتهم في التعييد فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها، ونحو ذلك؛ إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل أو زمانه، .. وإذا كان تخصيص بقعة عيدهم محذوراً فكيف نفس عيدهم؟ "أ. هـ (16)

قلت: وعيد شم النسيم ليس في زمان العيد ومكانه فحسب، بل هو العيد الوثني الفرعوني عينه في زمانه وشعائره ومظاهر الاحتفال به، فحرم الاحتفال به دون النظر إلى نية المحتفل به وقصده، كما يدل عليه هذا الحديث العظيم.

فالواجب على المسلم الحذر مما يخدش إيمانه، أو يخل بتوحيده، وتحذير الناس من ذلك.

أسأل الله تعالى أن يحفظني والمسلمين من موجبات سخطه، وأن يمنَّ علينا بالتقوى والإخلاص في الأقوال والأعمال، والحمد لله رب العالمين.


(1) رواه مسلم (153)
(2) رواه البخاري (732) ومسلم (2669).
(3) رواه الحاكم (1/ 129).
(4) هو مؤرخ إغريقي اعتنى بتواريخ الفراعنة والفرس، وفاته كانت 425 قبل الميلاد كما في الموسوعة العربية الميسرة 2/ 1926.
(5) انظر هذه المعلومات وغيرها في: موسوعة أغرب الأعياد وأعجب الاحتفالات لسيد صديق عبد الفتاح 516 - 526، وأعياد مصر بين الماضي والحاضر للدكتور سعيد محمد حسن الملط 19 - 22، ومعجم المعبودات والرموز في مصر القديمة، لمانفرد لوركر، ترجمة صلاح الدين رمضان ص80
(6) رواه أحمد 3/ 50 وأبو داود (5021).
(7) الاقتضاء 1/ 314.
(8) سبل السلام 8/ 248.
(9) الإبداع في مضار الابتداع 275 - 276.
(10) من تشبه الخسيس بأهل الخميس، رسالة منشورة في مجلة الحكمة عدد4،ص193.
(11) مجموع الفتاوى 25/ 329.
(12) اللمع في الحوادث والبدع 2/ 519 - 520.
(13) الاقتضاء 2/ 519 - 520.
(14) أحكام أهل الذمة 1/ 441 - 442.
(15) رواه أبو داود (3313) وصححه شيخ الإسلام في الاقتضاء 1/ 436، والحافظ في البلوغ (1405).
(16) الاقتضاء 1/ 443.
ــــــــــــــ
* داعية بوزارة الشؤون الإسلامية
ابراهيم الحقيل
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير