تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 641]. وقد بينت النصوص صفة الذين يعارضون هذه الفريضة ويعاندونها فيأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ونعتتهم بالوصف الكاشف لهم المجلِّي لحقيقة إيمانهم، فقال - تعالى -: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 76]. وهم في أمرهم بالمنكر متابعون للشيطان عدوِّ بني آدم. قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [النور: 12]. فكان الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف سمة بارزة وعلامة فارقة مميزة تدل على نفاق من اتصف بذلك رجلاً كان أو امرأة، وهو في ذلك من أتباع الشيطان وحزبه: {أَلا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 91]. وسالك طريق بني إسرائيل المغضوب عليهم والضالين، قال الله - تعالى - فيهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 87 - 97]، فكان العصيان والعدوان وترك النصيحة والنهي عن المنكرات من أوصاف بني إسرائيل الذين لُعنوا بسببها على ألسنة أنبيائهم.

تعدد صور مخالفة هذه الشعيرة ومعاندتها:

والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف لا تتحدد له صورة نمطية واحدة، بل يأخذ صوراً متعددة بتعدُّد مسالك أهل الضلال والفساد، وتعدُّد إمكانياتهم وسلطاتهم؛ فقد تكون الصورة مباشرة من حيث الدعوة إلى ذلك صراحة بغير مواربة؛ وذلك عندما يأمنون العقوبة في ظل غفلة أهل الخير أو ضعفهم، أو بصورة غير مباشرة من حيث تزيين الباطل وتحسينه بأنواع من الدعاية الكاذبة والكلام الذي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قِبَله العذاب، والإشادة بكل قول أو عمل يخالف الخير والفضيلة، أو بوضع القوانين والأنظمة التي تضيِّق العمل بهذه الفريضة وتُوقِع من يحاول القيام بها في الحرج الشديد حتى يصرفه عن القيام بها، أو إدخال هذه الشعيرة في حزمة من التنظيمات الأخرى بحيث تفقد هويتها وتميزها؛ فتنماع فيها كما ينماع الملح في الماء، أو إسناد القيام بها إلى أناس لا تتوفر فيهم الشروط المناسبة لهذه الشعيرة، أو التضييق في الإنفاق عليها حتى تتقلَّص عملياتها ونشاطاتها والحد من تزويدها بالأجهزة الحديثة المتوافقة مع التقنية المعاصرة التي تمكِّنها من القدرة على تحقيق أهدافها، ومن ذلك أيضاً: إزالة الحواجز والعوائق أمام الانفلات والتفلُّت العقدي والفكري والخلقي، والإشادة بأولئك المتفلتين وتقديمهم لشباب الأمة على أنهم نموذج ينبغي أن يحتذى، والوقوع في أهل الخير من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في محاولة لتشويههم، وتهييج العامة ومن له سلطان عليهم والإغراء بهم.

لقد أدرك أعداء الأمة من خلال متابعة تاريخها وسيرتها على مرِّ الأزمان وكرِّ الدهور أن مجتمع المسلمين يكون في أمن وأمان وعفو وعافية متى ما كان عَلَم هذه الشعيرة مرفوعاً، وكذلك تكون دولتهم قوية منصورة؛ فهم ظاهرون على عدوهم مدة استمساكهم بها؛ لذلك عمل أعداء الأمة على توهين هذه الشعيرة في قلوب المسلمين عن طريق وسائل الإعلام المتعددة؛ من مقروء ومسموع ومنظور، والتي بلغ تأثيرها بفعل التقدُّم التقني شأواً بعيداً، وراموا من خلال هذه الوسيلة إحداث تغيير جذري في العقائد والأفكار، وعاونهم في ذلك أتباع لهم وأشياع ممن رضوا بالدنية في دينهم مقابل عَرَض زائل حقير، وكان للتدخل في المناهج الدراسية وتغييرها وشحنها بمادة علمية مغلوطة أثر كبير في تغييب هذه الشعيرة عند بعض المسلمين وإضعافها عند بعضهم الآخر.

لقد لَقِيَتْ هذه الشعيرة معارضة كبيرة على مدى التاريخ؛ فمنذ بدأ الله الخلق وكفر إبليس بربه وهو يقود أتباعه ويؤزُّهم أزّاً للوقوف في وجه كل خير والدعوة إلى كل شر؛ وذلك أن القيام بهذه الفريضة بالنسبة لهم يؤدي إلى أمرين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير