[التقريب لمسألة القيام]
ـ[أبو سليمان المحمد]ــــــــ[13 - 04 - 09, 02:33 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد:
فلقد كثر كلام أهل العلم على مسألة القيام، حتى ألف بعضهم [كأبي موسى المديني والنووي] كتابا مفردا فيها، ولكي يصل طالب العلم إلى تصور المسألة [وتصور المسائل أول درجات الفقه]، ثم معرفة الصحيح فيها فلابد من مقدمتين:-
أولا: تحرير محل النزاع/وهو في مسألتنا هذه كما يلي:
اتفقوا على جواز القيام إلى الرجل لتلقيه أو معانقته ونحو ذلك.
اتفقوا على تحريم القيام على الرجل-قصدا- وهو جالس إلا لعارض كحمايته من عدو ونحو ذلك.
ج- مدار أكثر النزاع في هذا الباب على صورة القيام للرجل عند مجيئه لا لمعانقة ونحوها.
وهذه الصورة الأخيرة فيها كلام كثير للعلماء، من حيث الحكم نفسه ومن حيث ضوابط الحكم [راجع: مشكل الطحاوي3/ 150،البيان والتحصيل4/ 359،رسالةالنووي، مدخل ابن الحاج1/ 158،الفتح لابن حجر11/ 49،وكتب الآداب ككتاب ابن مفلح والسفاريني].
ومدار الضوابط على:-
أ-قصد التكبر.
ب-التشوف لذلك.
ج-أمن الفتنة وخوفها.
د-التفريق بين العالم والوالد ونحوهما وغيرهم.
ه-التفريق بين التعظيم و الإكرام.
و-التفريق بين ما كان عارضا وما يكون عادة وديدنا.
ز-التفريق بين الأمر والإلزام بذلك وما لم يكن كذلك.
ح-التشبه [بالأعاجم أو بالجبابرة].
ثانيا: معرفة الأحاديث التي عليها مدار الباب، وطريقة احتجاج العلماء بها أو إجابتهم عنها.
وهي في مسألتنا هذه كما يلي:
1/حديث أبي سعيد (قوموا إلى سيدكم) متفق عليه
/حديث كعب في قصة توبته (فقام إلي طلحة) متفق عليه
3/حديث عائشة أن فاطمة (كانت إذا دخلت عليه صلى الله عليه وسلم قام إليها، فأخذ بيدها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه ... ) رواه الثلاثة، وصححه ابن حبان والحاكم والألباني، وأعله غيرهم.
4/حديث عائشة (قدم زيد بن حارثة المدينة ... فقام إليه رسول الله ... فاعتنقه وقبله) رواه الترمذي، وضعفه الألباني.
5/حديث جابر (إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم؛ يقومون على ملوكهم وهم قعود؛ فلاتفعلوا) رواه مسلم
6/حديث المسور ومروان في قصة صلح الحديبية (والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي ومعه السيف ... ) رواه البخاري
7/حديث أنس (لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك) صححه الترمذي
8/حديث معاوية (من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار) رواه أبو داود والترمذي، وصححه جماعة من المتأخرين [بل بالغ بعضهم فقال بتواتره!]، وقد أعله ابن أبي عاصم وأبو موسى المديني.
-ومن أشهر من فصل وجمع بين أدلة هذا الباب: العلامة ابن القيم في حاشية السنن8/ 82،92 [وإن كان مسبوقا إلى ذلك-في الجملة-]، وقد تبعه على تقريره هذا كثير من العلماء المتأخرين؛ كابن إبراهيم في فتاويه، والسعدي في مجموع الفوائد، والألباني في حواشي الأدب المفرد وغيره، وابن عثيمين في شرح رياض الصالحين وغيره، وبعض أئمة الدعوة-كما في (الدررالسنية) -،وغيرهم.
وتقريره كالتالي:-
أ/القيام غيرك لمعانقة ونحوها جائز [وعليه تحمل الأحاديث من 1 إلى 4].
ب/القيام غيرك وهو جالس، وهو محرم [وعليه يحمل الحديث الخامس / فإن كان لعارض من حماية ونحوها جاز-حكى النووي الاتفاق على هذا في رسالته ص59 - ، وعليه يحمل الحديث السادس].
ج-القيامغيرك أي: لأجله تعظيما له لا لمعانقة ونحوها؛ فهذا منهي عنه [وعليه يحمل الحديث السابع والثامن].
تنبيهات:-
لم يفرق بعض العلماء بين تعدي القيام باللام أو بإلى، وبعضهم فرق تفريقا مغايرا لتفريق ابن القيم [ولايلزم من هذا الاختلاف اختلافهم في أحكام الصور المذكورة، فبعضهم-كالبخاري في الأدب المفرد (باب قيام الرجل لأخيه) - يعبر عن القيام إلى الرجل بالقيام للرجل، ولكنه لايخالف ابن القيم في الحكم].
2 - يوجد عند بعض المتكلمين في هذه المسألة قلة تحرير في نسبة الأقوال، أو في حمل الأحاديث على بعض الصور.
هناك بعض الأدلة التي لم تذكر لوضوح ضعفها؛ من جهة الإسناد، أو من جهة دلالتها على المراد.
4 - قال ابن تيمية: (وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام، ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة=فالأصلح أن يقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البين، وإزالة التباغض والشحناء). الفتاوى1/ 375
وبنحوه أفتى العز بن عبدالسلام [فتاويه297]، والقرافي [الفروق4/ 251 والذخيرة13/ 300] وغيرهم.