تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والسنّة كذلك خصّصت من عموم القرآن، فقد روى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ- والعلماء يرجّحون وقفه ولكنّه في حكم المرفوع-: ((أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ)).

والأمثلة من السنّة كثيرة جدّا، إمّا أن تخصّص العمومات كما ذكرنا، أو تبيّن المعنى، كتفسيره صلّى الله عليه وسلّم لقوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق] بأنّه مجرّد عرض الأعمال، وتفسيره للظّلم في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام] فسّره بالشّرك كما في قوله تعالى على لسان لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: من الآية:13]، وغير ذلك من الآيات.

4 - أن يفسّره بكلام الصّحابة رضي الله عنهم، فهم جمعوا بين أمرين عظيمين: حسن الفهم، وحسن القصد، وظهر من بعدهم: سوء الفهم وهو الجهل، وسوء القصد وهو الظّلم، فلا يُعدل إلى كلام غيرهم إن صحّ السّند إليهم، وعلى رأسهم تفسير الخلفاء الأربعة، وابن مسعود الّذي جاء في صحيح البخاري ومسلم عَنْهُ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: (وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ).

ومثله ابن عبّاس رضي الله عنه، وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ))، ويأتي بعدهم أبيّ بن كعب رضي الله عنه، ثمّ غيرهم.

5 - الاعتناء بأقوال التّابعين: فإذا لم يجد عن الصّحابة خبرا، ولم يلق لهم أثرا اعتمد كلام تلامذة هؤلاء الصّحابة:

فمن أشهر تلاميذ ابن عبّاس رضي الله عنه بمكّة: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس بن كيسان.

ومن أشهر تلاميذ ابن مسعود رضي الله عنه بالكوفة: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وقتادة بن دعامة بالوساطة، وعامر الشّعبي.

وأشهر تلاميذ أبيّ بن كعب رضي الله عنه بالمدينة: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمّد بن كعب القرظي.

6 - العلم باللّغة العربيّة: فلا شكّ أنّ هذا لا بدّ منه لأنّ القرآن عربيّ، ولا يعني ذلك الاعتناء بالألفاظ الغريبة، ولكن لا بدّ أن يعرف أسلوب التّخاطب بين العرب، فإنّ الإنشاء قد يراد منه الخبر، والخبر قد يراد منه الإنشاء، ولا بدّ من معرفة ضوابط وشروط المجاز، كما أنّ المقصود من ذلك معرفة قدر لا بأس به من حياة العرب.

ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} فالضّمير- على الأصحّ - يعود على الظنّ أي: وما قتلوا الظنّ يقينا، ولا يعود على عيسى عليه السّلام، ومن أساليب العرب أنّهم يقولون: قتلت المسألة يقينا وبحثا.

وقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} فهو أمر في صورة الخبر، والّذي لم يفقه أسلوب العرب هذا ظنّ الآية خبرا فقال: كيف يكون آمنا وقد ثبت أنّ هناك من اعتُدِي عليه بالحرم؟!

ومن أساليبهم استعمال المجاز كقوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} فلمّا أشكل ذلك على الصّحابيّ الجليل نزل قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} يبيّن له المعنى الحقيقيّ.

ولذلك يروي ابن أبي حاتم في " تفسيره " بسند ضعيف والطّبريّ من طريق أخرى عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه قال: " التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلاّ الله ".

7 - العلم بالعلوم المتّصلة بالقرآن: كعلم النّاسخ والمنسوخ، والقراءات، وقواعد التّفسير، وأسباب النّزول.

8 - دقّة الفهم، وهذا ما يسمّيه الشّافعيّ بجودة القريحة، كالاستنباط الّذي ينقل عن العلماء في كثير من الآيات:

فقد استنبطوا أكثر من ثلاث وعشرين حكما من قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [الآية من البقرة].

واستنبطوا من قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ} أنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، لأنّ الكلب بقِي بالوصيد وهو باب الغار.

واستنبطوا من قوله تعالى: {وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تقتله اليهود، لأنّه لم يقُل: (وفريقا قتلتم) بصيغة الماضي، وغير ذلك.

وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.]

من مشاركات الشيخ أبو جابر عبد الحليم توميات في منتديات تبسة الإسلامية ( http://tebessa.forume.biz/montada-f10/topic-t2409.htm#6875)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير