استثناء ذوات البيوت سماء كن بالمدينة أو غيرها إلا بعد الإنذار وهو محكي عن الإمام مالك رحمه الله تعالى وصاحبه عبد الله بن وهب وحكي عن مالك أيضاً أنه يقتل ما وجد منها في المساجد. واستدل هؤلاء بما في سنن أبي داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيات البيوت؟ فقال: إذا رأيتم منهن شيئاً في مساكنكم فقولوا أنشدكن العهد الذي أخذه عليكم نوح أنشدكن العهد الذي أخذه عليكن سليمان أن تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن) [حديث ضعيف رواه أبو داود برقم 5260.
فلم يخص في هذا الحديث بيوت المدينة من غيرها قال ابن عبد البر وهو عندي محتمل التأويل والأظهر فيه العموم.
وقال أبو العباس القرطبي: إن هذا القول وهو عدم التخصيص بذوات البيوت في المدينة هو الأولى لعموم نهيه عن قتل الحيات في البيوت ولقوله صلى الله عليه وسلم ((خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم)) وذكر فيهن الحية و لأنا قد علمنا قطعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الجن والإنس. و أنه بلغ الرسالة إلى النوعين و أنه قد آمن به خلق كثير من النوعين بحيث لا يحصرهم بلد ولا يحيط بهم عدد والعجب من ابن نافع كأنه لم يسمع قوله تعالى [وإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (الأحقاف: 29) ولا قوله صلى الله عليه وسلم (إن وفد جن نصيبين أتوني ونعم الجن هو فسألوني الزاد .... ) الحديث فهذه نصوص في أن من جن غير المدينة من أسلم فلا يقتل شيء منها حتى يحرج عليه كما تقدم.
رابعها:
استثناء ذوات البيوت مطلقاً فلا يقتلن ولا بعد الإنذار هو ظاهر قوله في حديث أبي لبابة أنه نهى عن ذوات البيوت ولم يذكر إنذارهن.
خامسها:
استثناء ذوات البيوت، فلا يقتلن إلا ذا الطفيتين و الأبتر فهما يقتلان بالمدينة وغيرها بلا إنذار و يدل لهذا حديث ابن عمر عن أبي لبابة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت إلا أن يكون ذا الطفيتين و الأبتر فإنهما يخطفان البصر و يطرحان ما في بطون النساء) [حديث صحيح أخرجه أبو داود 5253.
قال ابن عبد البر أجمع العلماء على جواز قتل حيات الصحارى صغاراً كن أو كباراً أي نوع كن من الحيات قال: وترتيب هذه الأحاديث وتهذيبها باستعمال حديث أبي لبابة و الاعتماد عليه فإن فيه بياناً لنسخ قتل حيات البيوت و أن ذلك كان بعد الأمر بقتلها جملة و فيه استثناء ذي الطفيتين و الأبتر فهو حديث مفسر لا إشكال فيه لمن فهم وعلم فهو الصواب في هذا الباب وعليه يصح ترتيب الآثار فيه.
سادسها:
روى أبو داود في سننه عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: اقتلوا الحيات كلها إلا الجنان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة. قال ابن عبد البر وهذا قول غريب حسن.*
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تبين بما ذكر أن الأرجح قتل جميع أنواع الحيات غير ذوات البيوت فإنها لا تقتل إلا بعد الإنذار ثلاثاً إلا ذا الطفيتين والأبتر منها فإنهما يقتلان بلا إنذار وبهذا تجتمع الأحاديث في هذا الباب كما أشار إليه أبو عمر والقرطبي رحمهما الله تعالى في كلامهما السابق والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
انتهى بنصه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أشار الشيخ في الحاشية إلى كتاب (طرح التثريب) 8/ 128 - 129
وأظن الشيخ يقصد كتاب التمهيد لا بن عبد البر.
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[29 - 06 - 09, 05:15 م]ـ
جزاك الله خيرا شيخنا الحبيب أبا زيد,
كتب الله لك اجرك ورفع لك قدرك, وعذرا على تأخر الرد,
وبارك الله في أخونا سيف على نقله الطيب,
وربما
كان الصواب مع الفريق الثاني في تعميم التحريج لكل ساكنات البيوت حتى وإن كانت خارج المدينة النبوية, فإذا كانت القرينة أو العلة هي اسلام الجن فما الذي يمنع أن يكون هناك جن مسلم خارج المدينة النبوية مثلاً؟
وجزاكم الله خيرا وأحسن اليكم.