وليس القويُّ من يرى في قوته بيدراً يجبى إليه حصاد الآخرين،’
بل القويُّ من يأخذ من بيدره، ليفرح به جيوبَ الآخرين،’
فاحم بيدرك بالصَّدقات، واحرس حصيدك بطيِّب العطاءِ،’
ولا تقبض يدك أو تبسطها، فينتقص أو ينتهب، وأنت في غمرة الفرح،’
واعلم أن الدنيا رهينةٌ عندك بما هي فيه،’
فإن أصبتَ منها فهو ما أصبت،’
وإن أعرضَتْ عنك فهو عليك لا منك ولا إليك.
(15)
أي بُني,’
اعلم أن أدوم ما يكون الوصل في الناس،’
بتقوى الله
وحسن الخلق
وصالح العمل
وأقطعُ ما يكون لما وصلتَ
بذهاب التقوى
وشرِّ العمل
وسوءِ الخلق
فلا تضنَّ على نفسك بإحسان لا يشق عليك بذله، ولا تُلْجِئْها إلى وهم أنك تعجز عن صنائع المعروف،’
فإن خيرَ الناس من يَحملُ في النائبات، وإن أعياه همُّهم،’
ويحرص على خيرهم وإن أثقله غِيُهم،’
ويرضى عن سيئهم ويكافئُ محسنهم وإن رابه أمرهم.
(16)
أي بُني,’
إن من خير الناس، من تأْمنه على سرِّك لا يذيع،’
ويدنيك منه ويقدِّمك على نفسه بعزوفها عن شيءٍ وهو قريب منه وإن شقَّ عليه تركه،’
ويهديك إلى صوابٍ تصيبُ به حقاً، ويدفع عنك باطلاً،’
في غير منٍّ منه ولا أذىً،’
وينزلك من نفسه في أشرف منزلة بما يعلم فيك من خشية من الله تبدو عليك من أعمالك,’
ويردُّ عنك الألسن في غيبتك،’
ولا يرقب منك معروفاً ليكافيك، ولا يكافيك لتزيد من معروفك له،’
ولا يقبل عليك في رخاءٍ، ويدبر عنك في شدَّة،’
ولا يرصدك في خطأ ليذيعه، أو في صواب فيحبسه.
(17)
أي بُني,’
إن من شرِّ الناس من يوافيك بزَّلتك فيعرض عنك، وبحسنتك فيقبل عليك،’
وخيرهم، من لا يرقب منك زلةً ولا حسنة،’
فتكون عنده الصاحب الودود،’
والشِّربَ المورود،’
والحبل المتين الممدود،’
وأصدقهم لك مودَّةً من لا يعدو عليك في سرٍّ، ويرد عنك في علانية، فيقول فيه الناس قولاً حسناً، ويذكرونه ذكراً جميلاً،’
وأضّلهم مودَّة عنك من يرى في نعمةٍ يصيبها منك مغنماً واجباً، وإذا مسّته منك ضراءُ خفيفة، جعلك غرضاً يُرمى،’
يثخنك بجراح سهامه.
(18)
أي بُني,’
اعلم أنَّ الجمال والقبح ضدان لكنهما نسبيان,’
وأن خير النساءِ من تستميل الرجل إليها بعقلها، فيكون به جمالها،’
وأن شر النساء من تُقصى الرجل عنها بحمقها وإن كانت أجمل النساء،’
وكم من امرأة استمالت الرجل إليها بحسن عشرتها، فحسنت في عينه وهي قبيحة،’
وكم من امرأة صدَّت الرجل عنها بسوءِ عشرتها، فقبحت في عينه وهي جميلة،’
وكم من امرأة بهر الناس جمالها فأودَت ببيتها,’
وكم من امرأة قال الناس عنها إنها قبيحة فملأت بيتها بهجة ورجاءً,’
فإذا طلبت امرأة لتكون لك حليلةً تحصن بها بيتك على أنها
صالحة عاقلة،’
ولا يخدعنَّك الجمال الذي يذوي ثم أنت به تشقى.
(19)
أي بُني,’
1 - اعلم وقاك الله السوء أن من الناس من إن تحرص على إدنائه أعرض عنك، وإن حرصت على إقصائه أقبل عليك.
2 - ومن الناس من إذا شام منك تواضعاً استكبر عليك. ومن إن رأى منك ما يظنُّه استكباراً كان كالعبد بين يديك.
3 - ومن الناس من إذا أحسنت إليه حسبك راهباً منه، ومن إذا أسأت إليه ظنك راغباً فيه.
4 - ومن الناس من لا يستقيم أمره إلا والعصا تقرع رأسه، ومنهم لا يستقيم أمره إلا بنظرة ودادٍ تخالط نفسه.
5 - ومن الناس من إذا رأى منك ابتسامةً تمرَّد عليك، ومنهم من إذا أدمت العبوس في وجهه أدام الخضوع عند قدميك.
6 - ومن الناس حاله في الإحسان كحال النساءِ، إن أحسنت إليه الدهر، ثم أسأت إليه مرة، قال:
ما رأيت منك إحساناً قط.
واعلم يا رعاك الله,’
إن من خير الناس في كلِّ زمان من وفاك بإحسانك إليه إحساناً من وفاءِ الكلب، ومن ذاق عرف، ومن جرَّب علم,’
واعلم يا رعاك الله,’
أن أسوأ الناس من شاع ذكرهم في الناس مقروناً بما قيل فيهم:
«تَمَسْكَنَ حتى تَمَكَّن»
وأحسنهم من إذا أعجزه معروفك عن ردِّ ولو بعضاً منه، أحزنه ذلك فجاءَك معتذراً قائلاً: فضلك عليَّ لا ينسى في الدنيا إلا بالموت، أما عند الله فهو مذخور في سجلٍ
لا يبلى ولا يحور.
(20)
أي بُني,’
الولد
إما عار شنار لا تحرقه النار، وإما فخر مكسوٌّ بياضاً يسعى عزيزاً كريماً في ظلام الليل ووضح النَّهار,’
والمرأة
¥