[مع تقدم الطب أصبح كثيرا مما نأكل ونشرب فيه ضرر!؟ إليك الضابط في ذلك .. جواب مهم جدا!]
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[23 - 04 - 09, 11:12 م]ـ
العنوان
ضابط الضرر الذي يقتضي التحريم
المجيب د. محمد بن إبراهيم السعيدي ( http://www.islamtoday.net/fatawa/scholarCV-698.htm)
رئيس قسم الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين بمكةالتاريخ الاربعاء 27 جمادى الأولى 1428 الموافق 13 يونيو 2007
السؤال:
سؤالي عن لا ضرر ولا ضرار، ما هو الضابط في هذه المسألة؟ فكثير مما نأكل ونشرب يخرج لنا بحث ويقول أضراره كذا وكذا، فهل هناك شيء في الدنيا لا مضرة فيه؟. فكثير من المأكولات والمشروبات فيها ضرر، بل حتى شاشة الكمبيوتر قد تضر بالعين، ويقولون إن اللحم يسبب (النقرس) .. مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل اللحم.
الجوابالحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
ما ذكره السائل من أنه لا ضرر ولا ضرار , حديث شريف رواه عدد من الأئمة، منهم مالك في الموطأ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار"، وكذلك رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه وغيرهم, قال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مخرجها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به, نقله عنه في فيض القدير (6/ 432) , ومن هذا الحديث واستقراء نصوص الشرع في كثير من القضايا الجزئية والكلية استنبط العلماء رحمهم الله تعالى القاعدة الفقهية المشهورة (الضرر يزال)، وبنوا على هذه القاعدة كثيرا من الأحكام الفقهية.
ولسؤال الأخ الكريم عن الضابط في تطبيق هذه القاعدة أقول وأسأله تعالى التوفيق: إن الغالب على المحرمات والمباحات أنه لا يوجد فيها ضرر محض، ولا نفع محض، فكل محرم يتضمن شيئا من المنفعة، وكل مباح يتضمن أيضا شيئا من المضرة, كما جاء في كتاب الله تعالى عن الخمر والميسر "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ َتَفَكَّرُونَ" [البقرة: 219].
أما المباحات كالبيع والشراء فيشتملان احتمال الخسارة وضياع المال، ولا يخفى ما في ذلك من مضرة, ومن تتبع جميع المباحات وجدها على هذا النحو من اشتمالها على شيء من المضرة. وممن لاحظ ذلك الشاطبي رحمه الله في المسألة الخامسة من كتاب المقاصد في الموافقات, والمقصود للشارع هو ما غلب منهما. فما كان الضرر فيه غالبا فهو المحرم كالخمر والميسر وسائر المحرمات, وما كانت المصلحة فيه غالبة فهو المباح. وكذلك الشأن في المأكولات والمشروبات , فمنها ما هو نافع منفعة غالبة والضرر قليل، كاللحم والفاكهة والحبوب التي لا تخلو من مضرة , والمضرة فيها إما قليلة عارضة كمضرة بعض المباحات من المأكولات لبعض الأجسام دون بعض، أو مضرة قليلة أصلية كالمضار الموجودة في اللحوم والشحوم, التي لا يخفى على كل أحد من المتأملين في خصائص الأطعمة أن الضرر فيها في أصل تكوينها, لكنه مع ذلك قليل بالنسبة لما فيها من المنافع العظيمة. وكذلك الشأن في الآلات، حيث مثَّل السائل بشاشات الكمبيوتر، وما يقولون فيها من الأضرار، لكنها إذا أحسن استخدامها بقيت مضارها قليلة إلى جانب مالها من المنفعة العظيمة.
ومن هذا الباب قد يكون بعض الأطعمة أو بعض الآلات المستخدمة حلالا لأكثر الخلق مع كونه حراما على آخرين, وذلك كما لو كان طعام من الأطعمة يعود بالضرر لبعض متناوليه؛ لكونه يهيج عنده داء كامنا ربما عاد على نفسه بالإتلاف, وتقدر حرمة هذا الطعام لهذا الشخص خاصة بقدر نسبة الضرر الذي يعود به عليه, والحكم في تقدير مدى ضرره في هذه الأحوال للطب، فما يرجح الطب ضرره على نفعه لشخص معين فتناوله حرام عليه في الحال التي ينهاه فيها الطبيب عن ذلك الطعام، وما ترجحت منفعته على ضرره بحكم الطبيب فهو حلال.