[فوائد من حديث السحابه للشيخ أبى إسحاق الحوينى حفظه الله]
ـ[أبا قتيبة]ــــــــ[09 - 05 - 09, 01:00 ص]ـ
حديث السحابة
أخرج البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بينما رجل يمشى فى أرض فلاة إذ سمع صوتاً فى سحابة يقول: اسق أرض فلان فأفرغ السحاب ماءه فى شرجة من شراج الحرة فذهب ذلك الرجل الذى كان يمشى إلى المكان الذى أفرغ السحاب ماءه فيه فرأى رجلاً معه فأساً يمهد مجرى للماء حتى يذهب إلى أرضه أو بستانه حتى استوعب الماء كله فذهب إليه وقال: السلام عليك يا فلان باسمه الذى سمعه فى السحابة فقال وعليك السلام من أين عرفت اسمى؟ قال: إنى سمعت صوتاً فى سحابة يقول: اسق أرض فلان فأفرغ السحاب ماءه عندك فماذا تصنع؟ قال: أما قد قلت لى ذلك
فإنى أنتظر ما يخرج من الأرض فأقسمه ثلاث أقسام: قسم أتصدق به وقسم آكله أنا وعيالى وقسم أرده فى بطنها)
وقسم أرده فى بطنها: أى بذراً فى باطن الأرض حتى يخرج مرة أخرى
هذا الحديث أحد الأحاديث الصحيحة من أحاديث كثيرة قصها علينا النبى صلى الله عليه وسلم من قصص الأقدمين.
فهو يشتمل على ثلاث فوائد وكل فائدة تشتمل أيضاً على فوائد
الفائدة الأولى:
فضل الصدقة
الفائدة الثانية فضل النفقة على العيالا
لفائدة الثالثة:الأخذ بالأسباب
الفائدة الأولى فضل الصدقة
فقد قال الرجل: (فإني أتصدق بثلثها). وقد وردت في فضل الصدقة أحاديث كثيرة نقتصر على بعضها. وأصل الصدقة مأخوذة من الصدق، ولهذا يلزم المتصدق أن يكون صادقاً، فإن كان كذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله يقبل الصدقة بيمينه، ثم يربيها للعبد كما يربي أحدكم فلوه)، والفلو: هو المُهر.
أقسم النبي عليه الصلاة والسلام -مع أنه قلما يقسم في الأحاديث- فقال كما رواه الترمذي وغيره: (ثلاثٌ أقسم عليهن: ما نقص مالٌ من صدقة ... )
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتصدق بحبات العنب، فَيُسأل: وما تغني حبة عنب، فإنها لا تشبع ولا تروي ظمأ ظامئ؟ فقال: (إن فيها مثاقيل كثيرة، قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه والذرة لا ترى بالعين المجردة، فلو فعلت مثقال ذرة خيراً لوجدته، فما بالك بحبة عنب! فإن فيها مثاقيل كثيرة.
ويروى أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تعطر الدنانير والدراهم قبل أن تتصدق بها، فتسأل عن ذلك؟ فتقول: إنني أضعها في يد الله تبارك وتعالى قبل أن تصل إلى يد المسكين.
لقد أدبنا الله تبارك وتعالى أدباً آخر، فقال تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)، فإذا كان لديك تمر، أو أي شيء تريد أن تتصدق به، فإياك أن تذهب إلى الردىء منه فتخرجه.
وهناك أمر آخر، وهو: أن مهمتك أن تخرج الصدقة من عندك وليست مهمتك أن تصل الصدقة إلى موضعها المرجو ولكن نلفت نظرك إلى شيءٍ هام، وهو: أنك إن أعطيت بعض أهل المعاصي مثل هذه الصدقات فقد يرق قلبه.
فإياك أن تحتقر أهل المعاصي، لا تشدد عليهم، وارحمهم، وأنت إنما تفعل ذلك رجاء وجه الله تبارك وتعالى، وهذا الحديث حجة في هذا الباب: فيجوز أن تعطي الزكاة -فضلاً عن الصدقة- لأهل المعاصي، وكم يحصل الإنسان من الأجر إذا سلك طريق الصدقة مع أنها لا تضره! فإذا جاء إليك السائل فلا ترده، وأعطه من مال الله الذي أعطاك، ولذلك قال الله تبارك و تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
الفائدة الثانية فضل النفقة على العيال
لقد أرسل الله تبارك وتعالى لهذا الرجل الصالح سحابة أفرغت ماءها في بستانه؛ وما ذلك إلا لأنه قائمٌ بالقسط والعدل، فقد قال: (أما ثلثها فأتصدق به، والثلث الآخر آكله أنا وعيالي)، وفي هذا وجوب النفقة على الأهل، قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)، وفي رواية: (أن يضيع من يعول)، وفي مسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته) وكلمة (كفى إثماً) تدل على عظم هذا الإثم، أي: يكفيه من الإثم أن يضيع زوجته وأولاده، أن يضيع من يقوت، فلا يجوز أن تحبس النفقة عن الأولاد .. لأن الأولاد ليست لهم زكاة .. لماذا منعك الشارع أن تعطي الزكاة لأولادك أو لأبيك وأمك؟ فلا يجوز أن تعطي الزكاة للأصول ولا للفروع، فوالدك لا يجوز لك أن تعطي له الزكاة؛ لأن له نفقةً واجبة عليك، وكذلك أولادك لهم عليك نفقةٌ واجبة، فلا يجوز أن تضيع أولاك، بل إنك تتعبد الله تبارك وتعالى بإطعام أولادك.
وأيضاً من الفوائد يجوز للمرأة ان تأخذ من مال زوجها البخيل ما يكفيها هى وأولا دها
وأيضاً لا ينبغى للداعية أن يدعو خارج بيته ويترك أهله يفعلون ما يشاءون فعليه ان يبدأ بدعزة أهل بيته.
الفائدة الثالثة: الأخذ بالأسباب
بقى الثلث الأخير وهو
قال: (وأرد فيها ثلثه)، أي: في الأرض. وهذا دليل على أن الإسلام يحث على استثمار الأرض، ويحث على استيعاب الطاقات والاستفادة من الجهود المبعثرة، بخلاف بعض الناس الذي يظنون أن الإسلام دين الكسل والتواكل، وهذه فرية بلا مرية، لكن -بكل أسف
من فوائد هذه الفائدة
هى الحث على زراعة الأرض واستثمارها
والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال في حديث آخر: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، فلو أن أحداً يزرع نخلة وقامت الساعة فإياه أن يقول: لن أزرعها، ولمن أزرعها؟ فالقيامة قد قامت؟! وهل هناك حث أكثر من قوله صلى الله عليه وسلم (ما من عبدٍ يزرع زرعاً أو يغرسُ غرساً، فيأكل منه إنسان أو حيوان أو طائرٌ إلا كان له به أجر)، هل هناك أكثر من هذا في الحث على زراعة الأرض واستثمارها؟
فهذا الرجل الفاضل الذي ذكر اسمه في هذه السحابة يقول: (وأرد فيها ثلثه) يستثمر الأرض ويزرعها؛ لأنك لا تستطيع أن تتصدق وأنت فقير، وكلما كنت غنياً وتصدقت كان لك فضل، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ونسأل الله عز وجل أن يبارك لنا في علمنا وأن ينفعنا به، وأن يأخذ بأيدينا ونواصينا إلى الخير.