تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النوع الثاني مما ذكره السلف مما يدخل تحت هذه الآية: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}: [هود: 15] أنه يعمل العمل الصالح لأجل المال، فهو يعمل العمل لأجل ما يحصله من المال، مثل: أن يدرس ويتعلم العلم الشرعي لأجل الوظيفة فقط وليس في همه رفع الجهالة عن نفسه ومعرفة العبد بأمر ربه ونهيه والرغب في الجنة وما يقرب منها والهرب من النار وما يبعد عنها، فهذا داخل في ذلك، أو حفظ القرآن ليكون إماما في المسجد، ويكون له الرزق الذي يأتي من بيت المال، فغرضه من هذا العمل إنما هو المال، فهذا لم يعمل العمل صالحا وإنما عمل العمل الذي في ظاهره أنه صالح ولكن في باطنه قد أراد به الدنيا.

النوع الثالث: أهل الرياء الذين يعملون الأعمال لأجل الرياء.

النوع الرابع: الذين يعملون الأعمال الصالحة ومعهم ناقض من نواقض الإسلام، كمن يصلي ويزكي ويتصدق ويقرأ القرآن ويتلوه، ولكن هو مشرك الشرك الأكبر، فهذا وإن قال إنه مؤمن فليس بصادق في ذلك؛ لأنه لو كان صادقا لوحد الله - جل وعلا -.

فهذه بعض الأنواع التي ذكرت في تفسير هذه الآية وكلها داخلة تحت قوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} فهؤلاء جميعا أرادوا الحياة الدنيا وزينتها ولم يكن لهم هم في رضا الله - جل وعلا - وطلب الآخرة بذلك العمل الذي عملوه.

وهنا إشكال أورده بعض أهل العلم: وهو أن الله - جل وعلا - قال في الآية التي تليها {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 16]، وأن هذه في الكفار الأصليين أو فيمن قام به مكفر، أما المسلم الذي قامت به إرادة الدنيا فإنه لا يدخل في هذه الآية.

والجواب: أنه يدخل؛ لأن السلف أدخلوا أصنافا من المسلمين في هذه الآية، والوعيد بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ}، فمن كانت إرادته الحياة الدنيا فلم يتقرب إلى الله - جل وعلا - بشيء {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: 15] فهؤلاء أرادوا الدنيا بكل عمل، وليس معهم من الإيمان والإسلام مصحح لأصل أعمالهم، فهؤلاء مخلدون في النار، أما الذي معه أصل الإيمان وأصل الإسلام الذي يصح به عمله، فهذا قد يحبط العمل بل يحبط عمله الذي أشرك فيه وأراد به الدنيا، وما عداه لا يحبط؛ لأن معه أصل الإيمان الذي يصحح العمل الذي لم يخالطه شرك.

فهذه الآية فيها وعيد شديد، وهذا الوعيد يشمل كما ذكرنا أربعة أصناف، وكما قال أهل العلم: إن العبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي وإن كانت في الكفار، لكن لفظها يشمل من أراد الحياة الدنيا من غير الكفار.

" في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة». . إلخ ". وجه الشاهد من ذلك: أنه دعا على عبد الدينار، وعلى عبد الدرهم، وعلى عبد الخميصة. وعبد الدينار والدرهم هو الذي يعمل العمل لأجل الدينار، ولولا الدينار لما تحركت همته في العمل، لولا هذه الخميصة لما تحركت همته في العمل، فهو إنما عمل لأجل هذا الدينار، لأجل هذه الدنيا، وما فيها من الدرهم، والجاه والمكانة ونحو ذلك، وقد سماه النبي عليه الصلاة والسلام عابدا للدينار، فدل ذلك على أنه من الشرك؛ لأن العبودية درجات، منها: عبودية الشرك الأصغر، ومنها عبودية الشرك الأكبر، فالذي يشرك بغير الله - جل وعلا - الشرك الأكبر هو عابد له، كأهل الأوثان، وعبدة الأصنام، وعبدة الصليب، وكذلك من يعمل الشرك الأصغر، ويتعلق قلبه بشيء من الدنيا فهو عابد، لذلك يقال: عبد هذا الشيء؛ لأنه هو الذي حرك همته، ومعلوم أن العبد مطيع لسيده، أينما وجهه توجه، فهذا الذي حركته همته للدنيا وللدينار وللدرهم عبد لها؛ لأن همته معلقة بتلك الأشياء، وإذا وجد لها سبيلا تحرك إليها بدون النظر هل يوافق أمر الله - جل وعلا - أم لا يوافق أمر الله - جل وعلا - وشرعه؟!.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير