[شرح حديث إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا.]
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[12 - 05 - 09, 09:22 ص]ـ
عن هشام بن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أنه مر بالشام على أناس من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصُب على رؤوسهم الزيت!
فقال: ما هذا؟!!
قيل: يعذبون في الخراج! وفي رواية: حبسوا في الجزية.
فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)).
فدخل على الأمير فحدثه، فأمر بهم فخلوا.
رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، وزاد الحافظ المنذري في (الترغيب والترهيب): النسائي، ولكني لم أجده عند النسائي، فالله أعلم.
وفي لفظ أبي داود: (يُشَمِّسُ نَاسًا مِنْ الْقِبْطِ).
فوائد الحديث:
1 - أن تعذيب الناس من الكبائر، لأن الشارع رتب عليه الوعيد والعذاب يوم القيامة، بل أشد الناس عذابا.
يسثنى من ذلك ما دلت النصوص على جواز تعذيبه.
قال العلامة النووي في شرح صحيح مسلم:
(هَذَا مَحْمُول عَلَى التَّعْذِيب بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَا يَدْخُل فِيهِ التَّعْذِيب بِحَقٍّ كَالْقِصَاصِ، وَالْحُدُود، وَالتَّعْزِير، وَنَحْو ذَلِكَ) اهـ.
2 - فيه ما كان عليه الصحابة الكرام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه قول الحق، وأن الصحابة الكرام لا يخشون في الله لومة لائم.
3 - فيه مناصحة أولياء الأمور، وترهيبهم عن فعل المنكر.
4 - فيه أن النصيحة تكون أمامهم.
5 - فيه أنه لا فرق بين الكافر وغيره في حرمة التعذيب.
6 - فيه دليل على القاعدة المتفق عليها:
(أن الجزاء من جنس العمل).
قال العلامة الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم):
(فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كُربة من كرب يوم القيامة))، هذا يرجعُ إلى أنَّ الجزاءَ من جنس العمل، وقد تكاثرت النُّصوصُ بهذا المعنى، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما يرحم الله من عِباده الرُّحماء))، وقوله: ((إنَّ الله يعذِّب الَّذين يُعذِّبونَ النَّاس في الدُّنيا)) اهـ.
7 - فيه إثبات الصفات الاختيارية لله عزوجل، وأن الله تعالى يعذب الجبابرة.
قال العلامة عبد المحسن العبّاد في شرح (سنن أبي داود):
(أورد أبو داود هذه الترجمة باب: التشديد في جباية الجزية، أي: التشديد في أخذها، والإيذاء عند أخذها، هذا هو المقصود من التشديد؛ لأنه كما في الحديث كان يعذبهم من أجل أن يصل إلى الجزية، وقد أورد أبو داود حديث هشام بن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أنه وجد رجلاً بحمص كان يشمس ناساً من القبط في الجزية، فقال:
(إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا).
وهذا من تعذيب الناس في الدنيا، أي: كونه يوقفهم في الشمس من أجل أن تحرقهم ويوقفهم في رمضاء فيه تعذيب لهم، فروى هشام بن حكيم -رضي الله تعالى عنهما- هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مستدلاً به على تحريم مثل هذا التعذيب، وأن الله عز وجل يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما أنه عذب غيره فإنه يعذب في الآخرة.
وقوله: يشمس ناساً من القبط، القبط هم من النصارى الذين في مصر، والظاهر أن هذا تصحيف، وصوابه: الأنباط، فهم الذين كانوا في الشام، وقد قال النووي: الأنباط هم فلاحو العجم) اهـ.
الفائدة المسلكية:
الحذر من ظلم الناس والتعدي عليهم والحذر من تعذيب خلق الله تعالى، ألا فليتق الله تعالى أقوام يستغلون نفوذهم أو سلطانهم أو حكمهم أو مالهم في تعذيب الناس، ألا فليحذروا فإن الله تعالى مطلع عليهم، قادر عليهم، متى شاء أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.