- بدع أصليّة حقيقيّة: كبدع أهل الطّرق الصّوفيّة، حيث اخترعوا الرّقص، والطّواف حول القبور، والنّذر لها، والذّبح عندها، ونداء أصحابها، وتقبيل أحجارها، قال ابن باديس رحمه الله بعدما ذكر هذه المظاهر: " فكلّ هذه اختراعات فاسدة في نفسها لأنّها ليست من سعي الآخرة الّذي كان يسعاه محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من بعده، فساعيها موزور غير مشكور " [" الآثار " (1/ 87)].
- بدع إضافيّة: وصورها يجمع في قولنا: (تقييد العبادات، أو مصادمة طريقة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم).
فالبدع الإضافيّة هي الّتي لها أصل في الشّرع ولكنّ المسلم يأتي لها على وجه من هذه الوجوه التّالية:
كأن تكون العبادة مطلقة الوقت وهو يقيّدها بوقت معيّن لا يبرحه، كمن يستحبّ صلاة ركعتين نافلة عند سماع صوت الرّعد، أو رؤية الهلال، أو غير ذلك. فأصل الصّلاة مشروع، ولكن تقييدها بهذا الوقت بدعة في الدّين، واستدراك على شرع ربّ العالمين. ومن العلماء من شدّد واعتبر هذا النّوع بدعة حقيقيّة.
أو تكون مطلقة في المكان، فهو يستحِب لها مكانا معيّنا. كم يستحبّ صلاة ركعتين إذا مرّ الإنسان بمكان تاريخيّ، كمن يستحبّ صلاة ركعتين بجبل الطّور، أو بغار حراء، أو نحو ذلك.
أو تكون مطلقة في العدد، فهو يستحب لها عددا معيّنا. كمن استحبّ للنّاس صلاة ستّ ركعات بين المغرب والعشاء، وكصلاة الرّغائب، ونحو ذلك.
أو تكون مطلقة في الهيئة، فيأتي فيقيّدها بهيئة من عنده. كمن يستحبّ للنّاس أن يذكروا الله بعد الصّلاة جماعة، وقراءة القرآن جماعة.
أو يكون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شرع لنا كيفيّة معيّنة فيأتي هو ويخالف هديه، فهو بذلك يكون يميت سنن الهدى، ومثاله: السّبحة الّتي ورد ذكرها في كلام المحاضر –عفا الله عنّا وعنه-.
• النّقطة الثّالثة: الاختلاف في الدّلائل أخطر من الاختلاف في المسائل.
فلا يضرّنا أن يعتقد شخص ما بسنّية أمر ما وخالفناه، إذا كان الدّاعي له على اعتقاد ذلك هو النصّ المختلف في صحّته، أو النصّ الصّحيح المختلف في دلالته، ما دام أنّ الأصل الّذي نسير عليه هو الاستدلال بكتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسبيل المؤمنين من السّلف الصّالحين. لأنّه إذا اتّفقنا في الأصول والدّلائل سيقلّ الخلاف، بل ومع الأيّام يرجع أحذ المختلفين إلى قول الآخر لظهور الحقّ لديه.
فإذا ذهب أحد من أهل العلم والفضل واستدلّ على أمر ما بنصّ هو يرى صحّته، فلا يُعدّ من أهل البدع، لأنّ أصله صحيح، ومثال على ذلك: قول شيخ الإسلام ابن تيمية بمشروعيّة السّبحة، بل وكثير من أهل الفضل في هذا الزّمان.
ونكتفي حينئذ ببيان الحقّ في المسألة علميّا في حدود الشّرع والأدب.
أمّا أن يختلف طريق الاستدلال، فاعلم أنّ آلاف المسائل سيقع الخلاف حولها، و (الخلاف شرّ) كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
فمن أصول أهل البدع: الاستدلال بالمتشابه، وأقوال المشايخ، والأخذ بالعمومات مع أنّ الشّرع خصّصها، والأخذ بالمطلقات مع أنّ الشّرع قد قيّدها، والأخذ بالتّقييد في موضع الإطلاق، والتّخصيص في موضع العموم، وهلمّ جرّا.
• النّقطة الرّابعة: منزلة السنّة التّقريريّة:
من الأمور الّتي ذهل عنها الدّكتور المشار إليه – عفا الله عنّا وعنه- هو أنّ ما استدلّ به من حوادث الصّحابة لا يعدّ من البدع بما أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أقرّه على فعله.
فلو سألت صغار الطّلبة- من درس منهم أصول الفقه والحديث - وذكرت له أنّ بلالا رضي الله عنه كان لا يؤذّن إلاّ صلّى ركعتين، فأخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((فَذَاكَ إِذَنْ))؟ لقال: إنّ الحجّة في إقرار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا في مجرّد فعل بلال رضي الله عنه.
كذلك حادثة رفاعة، وأنقلها حتّى يتّضح المقال للقارئ الكريم:
¥