تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لذلك نرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصحّح للبراء بن عازب رضي الله عنه ألفاظ الذّكر عند النّوم، فعندما قال: " ورسولك الّذي أرسلت " قال صلّى الله عليه وسلّم: ((لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ))، فلا يقولنّ قائل بجواز الأخذ بقول البراء لأنّه اجتهد! لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما أقرّه على ذلك.

ومثال آخر: ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ)). فهذا يدلّ على أنّ الصّحابيّ قد يجتهد في العبادة ويُخطئ، فأين الحاكم في ذلك؟ لا شكّ أنّه تقرير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو إنكاره.

والأمثلة كثيرة من هذا القبيل.

2 - قول وفعل الصّحابيّ إذا لم يُعلم له مخالف: فهو حجّة.

فإذا ثبت أثرٌ ما عن صحابيّ ولم يعلم له مخالف كان الدّليل هو اتّفاقهم الّذي دلّ الدّليل على اعتباره، لا في مجرّد فعل الصّحابيّ. وقِس على ذلك، لنُدرِك أنّ التّشريع لا يكون من آراء الصّحابة المجرّدة، ولكن من اتّفاقهم.

فلو صحّ أثر أبي هريرة رضي الله عنه، لكان مخالفا له أبو موسى الأشعريّ وابن مسعود رضي الله عنهما. وحينئذ نرجع إلى السنّة القاضية بالحقّ، وهو أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعقد التّسبيح بيمينه، ويقول لنسائه: ((اِعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ، فَإِنَّهُنُّ مُسْتَنْطَقَاتٌ)).

فإذا تقرّر لدى المسلم هذان الأصلان، سهُل عليه ترك الاستدلال بأقوال العلماء إذا لم يدلّ عليها دليل، ويجد لهم المعاذير، ويحسن الظنّ بهم، ويعتقد أنّ خطأهم بعد اجتهادهم مغفور بإذن الله تعالى.

•الطّريق الثّاني: وهو طريق التّفصيل:

فسأذكر ذلك على قدر الاستطاعة في مقال مختصر على حدة حتّى يسهل على القارئ متابعته، فلا شكّ أنّي أتعبته.

وإنّما ذكرت ما ذكرت لأنّ الفروع لا تنتهي، فربّما رددت عليه في مسألة السّبحة، وقراءة آية الكرسيّ عند القبور، وغير ذلك، فتراه بعد حين يخرج عليك بفروع أخرى، وهي لا حدّ لها.

ففيما يخصّ عزو الدّكتور المحاضر ذلك الكلام للحافظ ابن حجر رحمه الله، فأقول:

نعم، فإنّ عبارة الحافظ ابن حجر في " الفتح ": " واستدلّ به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور، إذا كان غير مخالف للمأثور ".

وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه " فتح الباري "-وهو سابق لكتاب ابن حجر- فقال:

" وقد دل الحديث على فضل هذا الذكر في الصلاة، وأنّ المأموم يشرع له الزّيادة على التحميد بالثناء على الله عز وجل، كما هو قول الشافعي وأحمد -في رواية -، وأنّ مثل هذا الذكر حسنٌ في الاعتدال من الركوع في الصلوات المفروضات " اهـ.

لكنّ الدّكتور أدرك شيئا وغابت عنه أشياء، فليته اطّلع على كلام الحافظ ابن حجر في شرح حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الّذي فيه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم علّمه الذّكر إذا أتى مضجعه، وفي آخره قال البراء: " فقلت: ورسولك الّذي أرسلت " قال صلّى الله عليه وسلّم: ((لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ)).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأولى ما قيل في الحكمة في ردّه صلّى الله عليه وسلّم على من قال " الرّسول " بدل " النّبيّ " أنّ ألفاظ الأذكار توقيفيّة، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللّفظ الّذي وردت به، وهذا اختيار المازري، قال: فيقتصر فيه على اللّفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعلّه أوحى إليه بهذه الكلمات، فيتعيّن أداؤها بحروفها " اهـ.

ويقابل ما قاله المجيزون بما قاله ملا عليّ القاري في " مرقاة المفاتيح ":

" وأمّا زيادة ذكرٍ آخر بطريق الضّمّ إليه فغير مستحسنٍ، لأنّ من سمع ربّما يتوهّم أنّه من جملة المأثور به ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير