وهذا مما يُمدح عليه الإسلام ولا يذم، فعلى الانهزاميين (أن يتقوا الله في مسخ هذا الدين، وإصابته بالهزال بحجة أنه دين السلم والسلام. نعم، إنه دين السلم والسلام، ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير الله، وإخضاع البشرية كافة لحكم الله، إنه منهج الله وليس منهج عبد من العبيد ولا مذهب مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو أن يكون الدين كله لله. إنه حين تكون المذاهب التي يتبعها الناس مذاهب بشرية من صنع العبيد وحين تكون الأنظمة والشرائع التي تصرف حياتهم من وضع العبيد أيضاً فإنه في هذه الحالة يصبح لكل مذهب ولكل نظام الحق في أن يعيش داخل حدوده آمنا ما دام أنه لا يعتدي على حدود الآخرين ويصبح من حق هذه المذاهب والأنظمة والأوضاع المختلفة أن تتعايش وألا يحاول أحدها إزالة الآخر. فأما حين يكون هناك منهج إلهي وشريعة ربانية وإلى جانبه مناهج ومذاهب من صنع البشر فإن الأمر يختلف من أساسه، ويصبح من حق المنهج الإلهي أن يجتاز الحواجز البشرية ويحرر البشر من العبودية للعباد. . .) فقه الدعوة لسيد قطب (217 - 222). بتصرف يسير.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/ 14): "الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع" اهـ.
تنبيه:
يجب أن يعلم أنه ليس معنى الجهاد في سبيل الله لدعوة الناس إلى الإسلام وإزالة معالم الشرك من الوجود، ليس معنى هذا أن الإسلام يكره الناس على الدخول فيه، كلا، فإن الله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256.
ولذلك من رفض من المشركين الدخول في الإسلام تُرِكَ ودينَه، ولكن بشروط نعقدها معه، وهو ما يسمى بـ "عقد الجزية" أو "عقد الذمة".
فلليهودي أن يبقى على يهوديته في دولة الإسلام، وكذلك النصراني وغيرهم من أهل سائر الأديان.
وتاريخ المسلمين شاهد على بقاء غير المسلمين في دولة الإسلام من غير أن يكرهوا على تغيير دينهم. وقد اعترف بذلك كثير من المستشرقين أنفسهم.
قال المستشرق الألماني أولرش هيرمان:
" الذي لفت نظري أثناء دراستي لهذه الفترة – فترة العصور الوسطى- هو درجة التسامح التي تمتع بها المسلمون، وأخص هنا صلاح الدين الأيوبي، فقد كان متسامحاً جداً تجاه المسيحيين.
إن المسيحية لم تمارس الموقف نفسه تجاه الإسلام " انتهى.
(العالم)، العدد 290، السبت 2 سبتمبر 1989م.
وقال هنري دي كاستري (مفكر فرنسي):
"قرأت التاريخ وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة وعلى حسن مسايرة ولطف مجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين آن ذاك" انتهى.
وقال ول ديورانت (فيلسوف ومؤرخ أمريكي):
"كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم .. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم" انتهى.
وقال الدكتور جورج حنا من نصارى لبنان:
"إن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم" انتهى.
وأما إكراه النصارى للمسلمين على تغيير دينهم، وقتلهم وتعذيبهم إن رفضوا ذلك، فشواهده من التاريخ القديم والمعاصر واضحة للعيان، وما محاكم التفتيش إلا مثال واحد فقط من هذه الوقائع.
ولعلنا نبين ذلك في أجوبة أخرى إن شاء الله.
ونسأل الله تعالى أن يعز دينه، ويعلي كلمته.
انظر: "التسامح في الإسلام بين المبدأ والتطبيق" للدكتور شوقي أبو خليل، "الإسلام خواطر وسوانح".
والله تعالى أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islam-qa.com/ar/ref/43087