فالشيطان بالرصد للإنسان على طريق كل خير .. كما في الحديث: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه. فهو بالرصد ولا سيما عند قراءة القرآن ..
فأمر سبحانه العبد أن يحارب عدوه الذي يقطع عليه الطريق ويستعيذ بالله تعالى منه أولا ثم يأخذ في السير كما أن المسافر إذا عرض له قاطع طريق اشتغل بدفعه ثم اندفع في سيره.
ومنها: أن الاستعاذة قبل القراءة عنوان وإعلام بأن المأتى به بعدها القرآن ولهذا لم تشرع الاستعاذة بين يدي كلام غيره بل الاستعاذة مقدمة وتنبيه للسامع أن الذي يأتي بعدها هو التلاوة فإذا سمع السامع الاستعاذة استعد لاستماع كلام الله تعالى ثم شرع ذلك للقارئ وإن كان وحده لما ذكرنا من الحكم وغيرها ..
فهذه بعض فوائد الاستعاذة. اهـ
وقال ابن كثير: ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وهو لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ولا يقبل مصانعة ولا يدارى بالإحسان بخلاف العدو من نوع الإنسان .. ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان. اهـ
· صيغ الاستعاذة
الصيغة الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لظاهر قوله تعالى:) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (.
وفي الصحيحين عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال:
استب رجلان عند النبي r ونحن عنده جلوس فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي r إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده ..
لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..
فقالوا للرجل ألا تسمع ما يقول رسول الله r ؟ قال: إني لست بمجنون.
[رواه البخاري 3282 ومسلم 2610 وأبو داود 4781].
الصيغة الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ..
ويدل عليه ما رواه أبو داود في قصة الإفك: أن النبي r جلس وكشف عن وجهه وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
[رواه أبو داود 785 بإسناد ضعيف وقد وردت الصيغة في أحاديث أخر].
الصيغة الثالثة:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
لحديث أبي سعيد الخدري الذي رواه أحمد والترمذي قال:
كان النبي r إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
[رواه احمد 3/ 50 وأبو داود 775 والترمذي 242 وابن ماجة 808 وصححه الألباني].
وصيغة رابعة: قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي إذا قرأ استعاذ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم.
لأن ظاهر قوله:) فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (
وقوله في الآية الأخرى:) فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم (
يقتضي أن يلحق بالاستعاذة وصفه بأنه هو السميع العليم في جملة مستقلة بنفسها مؤكدة بحرف إن لأنه سبحانه هكذا ذكر. [راجع جمع الروايات في إرواء الغليل للألباني 2/ 53].
فالصيغة الجائزة والأفضل ما ورود بها الدليل من السنة ومعلوم أن السنة مترجمة للكتاب ومبينة لمعانيه وأحكامه ..
أما الصيغة الأخيرة الواردة عن الإمام أحمد فليس عليها دليل إلا ما فهمه الإمام من الآيات .. وتأخير السميع العليم عن الشيطان الرجيم ليس بمشهور.
ولو قدم السميع العليم على الشيطان الرجيم لوافق الصيغة الثانية الصحيحة الواردة وفي نفس الوقت أُخذ بالآيات.
· حكم الاستعاذة
اختلف العلماء في حكم الاستعاذة وهل هي واجبة أم مستحبة؟
قال ابن كثير: وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها، وحكي عن عطاء ابن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة لظاهر الآية فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب، وبمواظبة النبي r عليها، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب ..
[مقدمة تفسيره وانظر شرح بلوغ المرام 2/ 49 والشرح الممتع 1/ 470 لابن عثيمين].
¥