وفي رواية: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم .. قال: فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم. [رواه أبو داود 465 والنسائي 293 وابن ماجة 772 و940 وسنده صحيح]
ـ[عادل القطاوي]ــــــــ[26 - 05 - 09, 12:14 ص]ـ
الحرز الخامس
وهو فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس
قال ابن القيم:
فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة
· فضول النظر
فإن فضول النظر يدعو إلى الاستحسان ووقوع صورة المنظور إليه في القلب والاشتغال به والفكرة في الظفر به فمبدأ الفتنة من فضول النظر كما قيل: النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره لله أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه [قلت: هذا نص حديث جاء مرفوعاً عن حذيفة في المستدرك 4/ 349 وصححه، وجاء عن ابن مسعود عند الطبراني في الكبير10/ 173 وعن ابن عمر في الحلية 6/ 101 وجاء عن غيرهم، وكثرة أسانيده تدل على أن له أصلاً]
فالحوادث العظام إنما كلها من فضول النظر فكم نظرة أعقبت حسرات لا حسرة كما قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر* ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها * فتك السهام بلا قوس ولا وتر.
وقال الآخر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا * لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر * عليه ولا عن بعضه أنت صابر.
والمقصود أن فضول النظر أصل البلاء ..
· فضول الكلام
وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبوابا من الشر كلها مداخل للشيطان فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها وكم من حرب جرتها كلمة واحدة وقد قال النبي لمعاذ: وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم. [رواه أحمد 5/ 321 والترمذي 2616 وإسناده صحيح لشواهده]
وأكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر وهما أوسع مداخل الشيطان فإن جارحتيهما لا يملان ولا يسأمان بخلاف شهوة البطن فإنه إذا امتلأ لم يبق فيه إرادة للطعام وأما العين واللسان فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام فجنايتهما متسعة الأطراف كثيرة الشعب عظيمة الآفات وكان السلف يحذرون من فضول النظر كما يحذرون من فضول الكلام وكانوا يقولون ما شيء أحوج إلى طول السجن من اللسان.
· فضول الطعام
وأما فضول الطعام فهو داع إلى أنواع كثيرة من الشر فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي ويثقلها عن الطاعات وحسبك بهذين شرا فكم من معصية جلبها الشبع وفضول الطعام وكم من طاعة حال دونها فمن وقى شر بطنه فقد وقى شرا عظيما والشيطان أعظم ما يتحكم من الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام ولهذا قيل: ضيقوا مجاري الشيطان بالصوم ..
وقال النبي r : ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن.
[رواه ابن ماجة 3349 وأحمد 4/ 132 وصححه الألباني]
ولو لم يكن في الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله ساعة واحدة جثم عليه الشيطان ووعده ومناه وشهاه وهام به في كل واد فإن النفس إذا شبعت تحركت وجالت وطافت على أبواب الشهوات وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت.
· مخالطة الناس
قال ابن القيم في بدائع الفوائد:
إن فضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة وكم زرعت من عداوة وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات وهي في القلوب لا تزول ..
ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل الناس فيها أربعة أقسام متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر:
القسم الأول: من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه وهم العلماء.
القسم الثاني: من مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض كمن تخالطهم للمعاش وكسب العيش وقضاء الحاجيات.
القسم الثالث: وهم من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه ..
وهو الثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها بل إن تكلم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به فهو يحدث من فيه كلما تحدث ويظن أنه مسك يطيب به المجلس وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة التي لا يطاق جرها على الأرض ..
¥