تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر ..

وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا.

القسم الرابع: من مخالطته الهلك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله الداعون إلى خلافها الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.

فمن كان بواب قلبه وحارسه من هذه المداخل الأربعة التي هي أصل بلاء العالم وهي فضول النظر والكلام والطعام والمخالطة واستعمل ما ذكرناه من الأسباب التي تحرزه من الشيطان فقد أخذ بنصيبه من التوفيق وسد على نفسه أبواب جهنم وفتح عليها أبواب الرحمة وانغمر ظاهره وباطنه ويوشك أن يحمد عند الممات عاقبة هذا الدواء فعند الممات يحمد القوم التقي وعند الصباح يحمد القوم السرى والله الموفق لا رب غيره ولا إله سواه. اهـ

قلت: من الناس من هم شياطين كما تقدم وذكرنا في الباب الأول ..

ومن الناس كذلك وهم أكثر من نخالط الأهل والأولاد وهم كما قال الله:

) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (

وكذلك من الناس من هم من أهل المال والثراء والجاه والسلطان ..

ومنهم الفقراء والمساكين وقد قال الله:

) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (

وانظر إلى بعض المعاصي الكبار كالغيبة فهي لا تقع إلا في حق البعض أمام البعض .. والنميمة كذلك .. والنجوى من الشيطان ..

فالتوسط هو العدل: فالجماعة أمر شرعي والفرقة من الشيطان ..

والعزلة عن الناس فتنة إبليس الكبرى وهي تشبه عمل الرهبان ولا رهبانية في الإسلام .. فوجودك مع الناس يدخلك الجنة إما بالصبر على أذاهم، أو بالإحسان إليهم، وتزاورهم والنصح لهم .. الخ

فلا غنى لك عن مخالطة الناس سيئهم ومحسنهم بشرط أن تبتغي في معاملتك وجه الله وما عنده من خير ..

فالمرء يؤجر على بره والديه وتربيته ولده وإطعامه أهله وصلة رحمه ..

ويحمل الوزر في العقوق والهجر وقطع الأرحام ..

فالميزان لابد وأن يكون بما جاء به الشرع، فالدين كما حدد علاقتك بربك، بين لنا كذلك حدود معاملتك للناس خيرهم وشرهم ..

فالخلاص من ورطة المخالطة وآثارها كما ذكرها ابن القيم إنما تكون بإتباع ما بينه الله في كتابه وشرحه رسوله في سنته وهديه.

وانظر إلى هذا الموقف بعين الإنصاف:

روى مسلم عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله:

إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. [رواه مسلم 2558 وأحمد 2/ 300]

وقوله: الملَّ، هو الرماد الحار أي كأنما تطعمهموه.

وبهذا المثل يتضح لك الطريق .. والعاصم الله.

· محاربة الشيطان بسلاحه

والأمر المهم في الوقاية هو التحرز منه وأخذ الحيطة في كل أمورنا ..

قال الحارث بن قيس: إذا هممت بخير فعجله وإذا أتاك الشيطان فقال إنك ترائي فزدها طولاً .. أي الصلاة. [مصنف ابن أبي شيبة 2/ 223 بسند صحيح]

· التذكر عند طائف الشيطان

وقال تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (الأعراف-201

قال ابن كثير:

يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر أنهم إذا أصابهم طيف ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ومنهم من فسره بالهم بالذنب ومنهم من فسره بإصابة الذنب تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابهووعده ووعيده فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب فإذا هم مبصرون قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه.

وروى مسلم عن أبي هريرة قال، قال رسول الله r :

احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ..

فإن لو تفتح عمل الشيطان. [رواه مسلم 2664 وابن ماجة 4168]

ومر معنا قول رسول الله r : التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فان أحدكم إذا قال (ها) ضحكالشيطان. وقد خرجناه ..

وفيه مدافعة التثاؤب قدر المستطاع لأمرين: الأول: كي لا ينومك الشيطان فيفوت عليك صلاة أو عبادة فإن التثاؤب كثيرا ما يجيء لذلك ..

والثاني: كي لا يضحك منك الشيطان.

قال شقيق بن عبد الله البلخي [ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان]:

ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربعة مراصد من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فيقول: لا تخف فإن الله غفور رحيم، فأقرأ:

) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (

وأما من خلفي فيخوفني الضيعة على من أخلفه فاقرأ:) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (ومن قبل يميني يأتيني من قبل النساء فأقرأ:

) وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (ومن قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فاقرأ:

) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ (.

وهكذا نحصن أنفسنا بالذكر وقراءة القرآن والاستعاذة بذي الجلال من شر الشيطان واجتناب مخالطة أهل السوء وأعوان الشيطان ..

وكذا نتحرز من الشيطان بسد جميع أبواب تسلطه وإغوائه ووسوسته ..

وإفشال خططه وتشتيت سبله ورد كيده في نحره ..

والمهدي من هدى الله فلا هادي سواه ..

ومن يعصمه الله فقد نجا وفاز .. نسال الله السلامة والهداية.

آخره .. والله أعلى وأعلم.

وأسألكم الدعاء بظاهر الغيب، كي يقول لكم الملك: ولكم بمثل ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير