تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالذي يقول مثلاً أتمنى لو جمعت أشرطتي الماضية ثم أحرقتها!! والذي كان عدواً للأنظمة العلمانية ثم أصبح اليوم أحد المسوغين لها ولوجودها والتقارب معها!! والذي كان يتحدث ويكتب عن الخلاف والصراع العقدي واليوم يدعو إلى التقارب مع الشيعة!! ومن تحدث عن " حتمية المواجهة " ثم أردفها في شتاء عمره بـ " ضرورة التعايش "!! هل مثل هذه المواقف اجتهاد في حكم أو موقف أم هي بحق إرادة الانسلاخ!!؟؟

إن النقد الذاتي والتصحيح الذي يدعيه بعض الدعاة من هؤلاء الصنف ليس خطأً , بل هو عين الصواب إذا كان نقداً صحيحاً ايجابياً علمياً , أما إذا كان تفلتاً من الماضي , وتلبساً بلبوس التجديد والتنوير وهجوماً على فكر الجماعة القديم (كما يحلو للبعض أن يسميه) فهذا ليس نقداً وإنما هو تلبية لرغبات الهوى , وتأثراً بعوامل شتى أدركها الداعية أم لم يدركها , وتأثير هذه العوامل على الداعية هو العجن الذي نقصده ولذلك فسوف أذكر هنا بعض ما يعجن الدعاة وغيرهم من باب ضرب المثال وبه يتضح المقال ويزول الإشكال غير أني لم أحصر وأدقق:

· ضغط الواقع: واقع اليوم صعب جداً وأصبح مليءٌ بالتعقيد والتشابكات , وفي ظل هذا زادت صعوبة إصدار الأحكام المناسبة لهذا الواقع , وأصبحت الفتوى التي كانت في الماضي حجة على الواقع وعلى كل من علم بها أصبحت اليوم مجالاً للنقاش والقبول أو الرفض ويجري عليها ما يجري على غيرها , فقاعدة " عموم البلوى " أصبحت هي البلوى في تفكير بعض المفتين فمادام الواقع محتاج فنحن مفتون بالجواز , فعجنهم الواقع كما يريد فما هم إلا منفذون لاحتياجات الواقع.

· عجن الجماهير: يقول محمد محمد حسين " على أن الاجتهاد في حين افتتاننا بالحضارة الغربية خطر غير مأمون العواقب بحيث يدري المجتهد – إن وجد- ومن حيث لايدري إلى تسويغ للقيم الأجنبية التي هو معجب بها فإذا لم يكن هو معجب بها فالمجتمع الذي هم معجب بها لا يقبل اجتهاده بل لاتزال تتناوله ألسن السفهاء من جهاله الذين يتصدون لإبداء الرأي فيما يعرفون وفيما يجهلون حتى يفقد ثقته في نفسه ويعتبر به غيره فيفتي حين يستفتى وعينه على الذين يفتيهم يريد أن يرضيهم وأن يظفر بتقديرهم وتقريظهم , فيجور على الحق إرضاءً للخلق ويذهل عما عند الله تعجلاً لما عند الناس " هذه إحدى الصور , وعجن الجماهير قد يأخذ صوراً عده فمرةً يكون بالضغط على الشيخ وإحراجه في الصحف والمنتديات والمجامع ومرة ومرات وهو الغالب بالمدح والحب والثناء بالثبات والقوة فيظن حين يفتي أو يصرح أو يكتب أنه قد أصاب الحق كله , وما علم أن غاية ما فعل استجابة لعجن الجماهير , ولا ضير إذا كان ذلك موافقاً للحق ولكن في الغالب أن الناس وخاصة العوام همج رعاع في بابا الفتوى والدين الحق. . حتى أنك لو دققت لوجدت أن بعض الرموز ماهو إلا تمثيل لصرخات الجماهير ويعجب به البعض فيقولون "رجل عامة " ولو قيل " رجلٌ عامة " بتنوين اللام لكان أولى.

· عجن الساسة والملوك:الناس على دين ملوكهم , لكن لا يصح بحال سريان هذه القاعدة على مناهج الدعاة وطلاب العلم وإنما هم على دين أنبيائهم , ولا إشكال في عجن الساسة لبعض الدعاة إذا اتضح ذلك وعلم الناس انه طالب دنيا , ولكن يعتري أمره الخفاء في حين أنه على دين أميره فهو معه على الحق وبالحق وللحق , وللباطل وبالباطل وعلى الباطل كيفما شاء ذاك شاء ذا , فعندها تسأل نفسك سؤال في غاية الإحراج: هل يصح أو يجوز تطويع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله وعليه وسلم لقول أحد من البشر؟!

· عجن الدنيا وزخرفها:لا تنزلوا من على الجبل لو رأيتمونا تخطفنا الطير. . . هذه لأولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبل الرماة وأجابوا أن نعم , ولكن حين تبدت الدنيا وليت شعري أي دنيا!؟ غنائم تقسم بين القوم نزل الناس مع وجود ذلك الأمر العظيم المباشر منه صلى الله عليه وسلم ولم يبق إلا قلة قليلة , يقول ابن أبي مليكه في كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري " ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر " إنها الدنيا عياذاً بالله من فتنتها , كم نكص من نكص عن الطريق القويم والمنهج السليم بسبب الدنيا ثم هي ذاتها تبرر له كل ما فعل ولاحول ولا قوة إلا بالله. . . هكذا بعض الدعاة اليوم لما ذاق طيب العيش

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير