ولم تخلق لتعمرها ولكن ... لتعبرها فجد لما خلقتا
وإن هدمت فزدها أنت هدما ... وحصن أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات منها ... إذا ما أنت في أخراك فزتا
فليس بنافع ما نلت منها ... من الفاني إذا الباقي حرمتا
ولا تضحك مع السفهاء لهوا ... فإنك سوف تبكي إن ضحكتا
وكيف لك بالسرور وأنت رهن ... ولا تدري أتفدى أم غللتا
وسل من ربك التوفيق فيها ... وأخلص في السؤال إذا سألتا
وناد إذا سجدت له اعترافا ... بما ناداه ذو النون بن متى
ولازم بابه قرعا عساه ... سيفتح بابه لك إن قرعتا
وأكثر ذكره في الأرض دأبا ... لتذكر في السماء إذا ذَكَرتا
ولا تقل الصبا فيه مجال ... وفكر كم صغير قد دفنتا
****** **** *******
وقل: يا نصيحي بل أنت أولى ... بنصحك لو لفعلك قد نظرتا
تقطعني على التفريط لوما ... وبالتفريط دهرك قد قطعتا
وفي صغري تخوفني المنايا ... وماتدري بحالك حيث شختا
وكنت مع الصبا أهدى سبيلا ... فما لك بعد شيبك قد نكستا
وها أنا لم أخض بحر الخطايا ... كما قد خُضته حتى غرقتا
ولم أشرب حميا (3) أم دفر ... وأنت شربتها حتى سكرتا
ولم أحلل بواد فيه ظلم ... وأنت حللت فيه وانتهكتا
ولم أنشأبعصر فيه نفع ... وأنت نشأت فيه وما انتفعتا
لقد صاحبت أعلاما كبارا ... ولم أرك اقتديت بمن صحبتا
وناداك الكتاب فلم تجبه ... ونبهك المشيب فما انتبهتا
ويقبح بالفتى فعل التصابي ... وأقبح منه شيخ قد تفتى
ونفسك ذم لا تذمم سواها ... لعيب فهي أجدر من ذممتا
فأنت أحق بالتفنيد مني ... ولو كنت اللبيب لما نطقتا
فلو بكت الدما عيناك خوفا ... لذنبك لم أقل لك: قد أمنتا
ومن لك بالأمان وأنت عبد ... أمرت فما ائتمرت ولا أطعتا
ثقلت من الذنوب ولست تخشى ... لجهلك أن تخف إذا وزنتا
وتشفق للمصر على المعاصي ... وترحمه ونفسك ما رحمتا
رجعت القهقرى وخطبت عشوا (4) ... لعمرك لو وصلت لما رجعتا
ولو وافيت ربك دون ذنب ... وناقشك الحساب إذن هلكتا
ولم يظلمك في عمل ولكن ... عسير أن تقوم بما حملتا
ولو قد جئت يوم الحشر فردا ... وأبصرت المنازل فيه شتى
لأعظمت الندامة فيه لهفا ... على ما في حياتك قد اضعتا
تفر من الهجير وتتقيه ... فهلا عن جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا ... ولو كنت الحديد بها لذبتا
ولا تنكر فإن الأمر جد ... وليس كما حسبت ولا ظننتا
أبا بكر كشف أقل عيبي ... وأكثره ومعظمه سترتا
فقل ما شئت في من المخازي ... وضاعفها فأنك قد صدقتا
ومهما عبتني فلفرط علمي ... بباطنتي كأنك قد مدحتا
فلا ترض المعايب فهو عار ... عظيم يورث المحبوب مقتا
ويهوي بالوجيه من الثريا ... ويبدله مكان الفوق تحتا
كما الطاعاتتبدلك الدراري ... وتجعلك القريب وإن بعدتا
وتنشر عنك في الدنيا جميلا ... فتلفى البر فيها حيث كنتا
وتمشي في مناكبها عزيزا ... وتجني الحمد مما قد غرستا
وأنت الآن لم تعرف بعيب ... ولا دنست ثوبك مذ نشأتا
ولا سابقت في ميدان زور ... ولا أوضعت فيه ولا خببتا (5)
فإن لم تنأ عنه نشبت فيه ... ومن لك بالخلاص إذا نشبتا
تدنس ما تطهر منك حتى ... كأنك قبل ذلك ما طهرتا
وصرت أسير ذنبك في وثاق ... وكيف لك الفكاك وقد أُسرتا
************** **** ****************
فخف أبناء جنسك واخش منهم ... كما تخشى الضراغم والسبنتى (6)
وخالطهم وزائلهم حذارا ... وكن كالسامري إذا لمستا
وإن جهلوا فقل سلامٌ ... لعلك سوف تسلم إن فعلتا
ومن لك بالسلامة في زمان ... تنالُ العِصمَ إلا إن عُصمتا
ولا تلبث بحي فيه ضيم ... يميت القلب إلا إن كُبِلتا
وغرب فالتغرب فيه خير ... وشرق إن بريقك قد شرقتا
فليس الزهد في الدنيا خمولا ... لأنت بها الأمير إذا زهدتا
ولو فوق الأمير تكون فيها ... سموا وأفتخارا كنت أنتا
فإن فارقتها وخرجت منها ... إلى دار السلام فقد سلمتا
وإن أكرمتها ونظرت فيها ... بإجلال فنفسك قد أهنتا
جمعت لك النصائح فامتثلها ... حياتك فهي أفضل ما امتثلتا
وطولت العتاب وزدت فيه ... لأنك في البطالة قد أطلتا
ولا يغررك تقصيري وسهوي ... وخذ بوصيتي لك إن رشدتا
وقد اردفتها ستا حسانا ... وكانت قبل ذا مائة وستا
وصل على تمام الرسل ربي ... وعترته الكريمة ما ذكرتا
× × × ×
ــــــــــــــ
(1):المهند: السيف المصنوع من الحديد.
(2): نبا السيف: إذا لم يعمل في الضريبة.
(3): الحميا: الخمر, الدفر: النتن, ومنه قيل للدنيا: أم دفر, ا هـ.
(4):العشواء: الناقة التي لا تبصر ما أمامها.
(5):خب: ضرب في العدو.
(6): الجرئ والنمر ا. هـ
ـ[سلام السالم]ــــــــ[30 - 05 - 09, 04:50 ص]ـ
أحسنت أخي عبد العزيز .. وأكمل معروفك - غفر الله لك- بإنزلها على ملف ورد نكن لك من الشاكرين