(وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ، هَلْ يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ، أَوْ حَدًّا؟ فَرُوِيَ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ كَالْمُرْتَدِّ، فَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَلَا يُدْفَنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ، وَلَا يَرِثُ أَحَدًا، اخْتَارَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا وَابْنُ حَامِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {: بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ}.
وَفِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ تَرْكَ الصَّلَاةِ}.
وَعَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {: بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ} رَوَاهُنَّ مُسْلِمٌ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ}.
قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا دِينَ لَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ، تَرْكُهُ كُفْرٌ، غَيْرَ الصَّلَاةِ.
وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَدْخُلُ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَيَخْرُجُ بِتَرْكِهَا مِنْهُ كَالشَّهَادَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُقْتَلُ حَدًّا، مَعَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ، وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَكْفُر.
وَذَكَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى هَذَا، لَمْ يَجِدْ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا فِيهِ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَنْفَعُهُمْ؟ قَالَ: تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ، لَا أَبَا لَكَ.
وَعَنْ وَالَانَ، قَالَ: انْتَهَيْت إلَى دَارِي، فَوَجَدْت شَاةً مَذْبُوحَةً، فَقُلْت: مَنْ ذَبَحَهَا؟ قَالُوا: غُلَامُك.
قُلْت: وَاَللَّهِ إنَّ غُلَامِي لَا يُصَلِّي، فَقَالَ النِّسْوَةُ: نَحْنُ عَلَّمْنَاهُ، يُسَمِّيَ، فَرَجَعْتُ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ}.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: {مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ}.
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: {مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ}.
¥