(ولنا قول الله تعالى: {فاقتلوا المشركين} إلى قوله {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} فأباح قتلهم وشرط في تخلية سبيلهم التوبة وهي الإسلام وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة فمتى ترك الصلاة متعمدا لم يأت بشرط تخليته فبقي على وجوب القتل وقول النبي صلى الله عليه و سلم: [من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة] وهذا يدل على إباحة قتله وقال عليه السلام: [بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة] رواه مسلم والكفر مبيح للقتل وقال عليه السلام: [نهيت عن قتل المصلين] وعن أنس قال: قال أبو بكر: إنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: [إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة] رواه الدارقطني فمفهومه أن غير المصلين يباح قتلهم ولأنها ركن من أركان الإسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال فوجب أن يقتل تاركه كالشهادة وحديثهم حجة لنا لأن الخبر الذي رويناه يدل على أن تركها كفر والحديث الآخر استثنى منه إلا بحقها والصلاة من حقها ثم إن أحاديثنا خاصة فنخص بها عموم ما ذكروه ولا يصح قياسها على الحج لأن الحج مختلف في جواز تأخيره ولا يجب القتل بفعل مختلف فيه وقولهم أن هذا يفضي إلى ترك الصلاة بالكلية قلنا الظاهر أن من يعلم أنه يقتل إن ترك الصلاة لا يتركها سيما بعد استتابته ثلاثة أيام فإن تركها بعد هذا كان ميؤوسا من صلاته فلا فائدة في بقائه ولا يكون القتل هو المفوت له ...... )
وقال المرداوي في الإنصاف:
(وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ من الْعِبَادَاتِ تَهَاوُنًا غَيْرُهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَلَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ زَكَاةٍ بُخْلًا وَلَا بِتَرْكِ صَوْمٍ وَحَجٍّ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ تَهَاوُنًا .... )
وقال بعدها
(قَوْلُهُ وَهَلْ يُقْتَلُ حَدًّا أو لِكُفْرِهِ
على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالشَّارِحُ
إحْدَاهُمَا يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال في الْفَائِقِ وَنَصَرَهُ الْأَكْثَرُونَ قال في الْإِفْصَاحِ اخْتَارَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمَا وهو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَذُكِرَ في الْوَسِيلَةِ أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّهَا اخْتِيَارُ الْأَثْرَمِ وَالْبَرْمَكِيِّ
قُلْت وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وأبو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا وبن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُبْهِجِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ .... )
ثم قال:
(وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قد فَرَضَ مُتَأَخِّرُو الْفُقَهَاءِ مَسْأَلَةً يَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا وهو أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كان مقر بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فَدُعِيَ إلَيْهَا ثَلَاثًا وَامْتَنَعَ مع تَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ ولم يُصَلِّ حتى قُتِلَ هل يَمُوتُ كَافِرًا أو فَاسِقًا على قَوْلَيْنِ قال وَهَذَا الْفَرْضُ بَاطِلٌ إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْتَنِعَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَهَا وَلَا يَفْعَلُهَا وَيَصْبِرَ على الْقَتْلِ هذا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ قَطُّ انْتَهَى
قُلْت وَالْعَقْلُ يَشْهَدُ بِمَا قال وَيَقْطَعُ بِهِ وهو عَيْنُ الصَّوَابِ الذي لَا شَكَّ فيه وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا كَافِرًا)
والله أعلم
ـ[أبو العباس السكندري]ــــــــ[08 - 06 - 09, 05:58 م]ـ
يقول الإمام أحمد بن حنبل (ت241) في رسالته إلى مسدد بن مسرهد:
¥