فكل أهل مذهب اعتمدوا على كتب متأخريهم فلا يرجعون إلا إليها ولا يعتمدون إلا عليها. وأما كتب الحديث كالأمهات الست وغيرها من كتب الحديث وشروحها وكتب الفقه الكبار التي يذكر فيها خلاف الأئمة وأقوال الصحابة والتابعين فهي عندهم مهجورة، بل هي في الخزانة مسطورة، للتبرك بها لا للعمل. ويعتذرون بأنهم قاصرون عن معرفتها. فالأخذ بها وظيفة المجتهدين، والاجتهاد قد انطوى بساطه من أزمنة متطاولة، ولم يبقى إلا التقليد، والمقلد يأخذ بقول إمامه ولا ينظر إلى دليله وتعليله، ولم يميزوا بين المجتهد المطلق الذي قد اجتمعت فيه شروط الاجتهاد فهو يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد، وبين المجتهد في مذهب إمامه أو في مذهب الأئمة الأربعة من غير خروج عنها، فهو ملتزم لمذهب إمام من الأئمة وينظر في كتب الخلاف ويمعن النظر في الأدلة فإذا رأى الدليل بخلاف مذهبه قلد الإمام الذي قد أخذ بالدليل فهو اجتهاد مشوب بالتقليد، فينظر إلى ما اتفقوا عليه ويأخذ به، فإن اختلفوا نظر في الأدلة فإن وجد مع أحدهم دليلاً أخذ بقوله، فإن لم يجد في المسألة دليلاً من الجانبين أخذ بما عليه الجمهور، فإن لم يجد ذلك بل قوي الخلاف عنده من الجانبين التزم قول إمامه إذا لم يترجح عنده خلافه. فأكثر المقلدين لا يميزون بين المجتهد المستقل من غيره وجعلوهما نوعاً واحداً، وهذا غلط واضح فإن من كان قاصراً في العلم لا يستقل بأخذ الأحكام من الأدلة بل يسأل أهل العلم كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية ابنه عبد الله وقد ذكرناه فيما تقدم. [مجموع الرسائل 1/ 94, الدرر السنية 4/ 58]
*فائدة أخيرة:
قال ابن عثيمين_ رحمه الله_:
"الأمر الرابع: الحرص على الكتب المهمة:
…يجب على طالب العلم أن يحرص على الكتب الأمهات الأصول دون المؤلفات حديثاً؛ لأن بعض المؤلفين حديثاً ليس عنده العلم الراسخ، ولهذا إذا قرأت ما كتبوا تجد أنه سطحي، قد ينقل الشيء بلفظه، وقد يحرفه إلى عبارة طويلة لكنها غثاء، فعليك بالأمهات كتب السلف فإنها خير وأبرك بكثير من كتب الخلف.
لأن غالب كتب المتأخرين قليلة المعاني، كثيرة المباني، تقرأ صفحة كاملة يمكن أن تلخصها بسطر أو سطرين، لكن كتب السلف تجدها هينة، لينة، سهلة رصينة، لا تجد كلمة واحدة ليس لها معنى. [العلم ص54]
ـ[أبو سارة السبيعي]ــــــــ[08 - 06 - 09, 06:11 ص]ـ
قال ابن قاسم _ رحمه الله_:
"وإذا تتبع المنصف تلك الكتب، واستقرأ حال تلك الأتباع، وعرضها على الكتاب والسنة، وعلى أصول الأئمة، وما صح عنهم، وجدها كما قالوا رحمهم الله، وقد يؤصل أتباعهم ويفصلون على ما هو عن مذاهب أئمتهم الصحيحة بمعزل يعرف ذلك من كان خبيرا بأصولهم ونصوصهم، ومع ذلك عند بعضهم كل إمام في اتباعه بمنزلة النبي في أمته، لا يلتفت إلى ما سواه، ولو جاءته الحجة كالشمس في رابعة النهار. [حاشية الروض1/ 18]
[]
[/ size]
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في الحاشية:1/ 164
والشيخ تقي الدين هو شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيمية النمري الحراني الدمشقي قريعة الدهر، فارس المعقول والمنقول، بل لم يرزق الإسلام والمسلمون عالما صحيح النظر نير البصيرة متضلعا من الكتاب والسنة، وأقوال العلماء يضارعه من زمانه إلى يومنا هذا، ولد سنة ستمائة واثنتين وستين وله أكثر من ألف مصنف يكتب الكراسة في المجلس الواحد، وإذا أطلق أكثر متأخري الأصحاب شيخ الإسلام أو الشيخ فمرادهم بذلك شيخ الإسلام أحمد بن تيمية قدس الله روحه، والسلف لا يطلقون شيخ الإسلام إلا على المتبع لكتاب الله وسنة رسوله، مع التبحر في العلوم من المعقول والمنقول. وعلو كعبه في ذلك مشهور، وكان الأصحاب قبل يلقبون الموفق، فلما جاء الله بهذا الحبر اعترف الكل له بهذا اللقب، حيث لم يوجد له نظير. وكثيرا ما نكتفي باختياره، إذ اختياره وترجيحه من الصحة ومساعدة الأدلة بمكان لا يخفى على المطلع المنصف ولا ندعي فيه العصمة، لكن الله خوله الحفظ والفهم، توفي قدس الله روحه بقلعة دمشق سنة سبعمائة وثمان وعشرين. انتهى
ما الفرق بين من يقلد الشافعي وأحمد رضي الله عنهم وبين من يقلد شيخ الإسلام رحمه الله؟!!!
ـ[أبوعبدالله بن محمد بن عبدالله]ــــــــ[08 - 06 - 09, 09:31 م]ـ
الفرق بينهما من وجهين مأخوذين من كلام الشيخ ابن قاسم رحمه الله:
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في الحاشية:1/ 164
وكثيرا ما نكتفي باختياره، إذ اختياره وترجيحه من الصحة ومساعدة الأدلة بمكان لا يخفى على المطلع المنصف ولا ندعي فيه العصمة، لكن الله خوله الحفظ والفهم.
الشيخ نعى عليهم الاتباع المطلق للائمة ولو خالف الادلة وهو انما تتبع ابن تيمية رحمه الله لانه يراه موافقا للادلة انظر الى قوله:
اذ اختياره وترجيحه من الصحة ومساعدة الادلة بمكان.
الامر الثاني انه قال كثيرا ما نكتفي باختياره ومفهومه انه في حالات اخرى نخالف اختياره ومبنى ذلك على الصحة ومساعدة الادلة.
¥