وكان إذا لقيه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة، وعن أنس أن رجلا سأله فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه وقال أسلموا فإن محمدا يعطى عطاء من لا يخشى فاقة، وأعطى غير واحد مائة من الإبل، وأعطى صفوان مائة ثم مائة ثم مائة، وهذه كانت خلقه صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وقد قال له ورقة بن نوفل: إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم.
ورد على هوازن سباياها
الشفا - (ج 1 / ص 113)
وكانت ستة آلاف وأعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله وحمل إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير ثم قام إليها فقسمها فما رد سائلا حتى فرغ منها وجاءه رجل فسأله فقال ما عندي شئ ولكن ابتع على فإذا جاءنا شئ قضيناه فقال له عمر ما كلفك الله مالا تقدر عليه فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال رجل من الأنصار
يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذى العرش إقلالا فتبسم صلى الله عليه وسلم وعرف البشر في وجهه وقال بهذا أمرت.
ذكره الترمذي.
وذكر عن معوذ بن عفراء قال أتيت النبي صلى الله عليه
الشفا - (ج 1 / ص 114)
وسلم بقناع من رطب يريد طبقا وأجر زغب يريد قثاء فأعطاني مل ء كفه حليا وذهبا، قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد.
والخبر بجوده صلى الله عليه وسلم كرمه كثير.
وعن أبى هريرة: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فاستلف له رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف وسق فجاء الرجل يتقاضاه فأعطاه
وسقا وقال (نصفه قضاء ونصفه نائل).
(فصل) وأما الشجاعة والنجدة: فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وكان صلى الله عليه وسلم منهما بالمكان الذى لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة والأبطال عنه غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت عنه جولة سواه.
حدثنا أبو علي
الشفا - (ج 1 / ص 115)
جيانى فيما كتب لى حدثنا القاضى سراج حدثنا أبو محمد الأصيلي حدثنا أبو زيد الفقيه حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا ابن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبى إسحاق سمع البراء وسأله رجل: أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر ثم قال لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبي لا كذب، وزاد غيره: أنا ابن عبد المطلب، قيل فما روى يومئذ أحد
كان أشد منه، وقال غيره نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته، وذكر مسلم عن العباس قال فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه
الشفا - (ج 1 / ص 116)
ثم نادى يا للمسلمين - الحديث - وقيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب ولا يغضب إلا لله - لم يقم لغضبه شئ، وقال ابن عمر ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال على رضى الله عنه إنا كنا إذا حمى البأس ويروى اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ولقد رأيتنى يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو كان من أشد الناس يومئذ بأسا
وقيل كان الشجاع هو الذى يقرب منه صلى الله عليه وسلم إذا دنا العدو لقربه منه، وعن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت وقد استبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة عرى والسيف في عنقه وهو يقول لن تراعوا، وقال عمران بن حصين ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب ولما رآه أبى بن خلف يوم أحد وهو يقول أين محمد لا نجوت إن نجا وقد كان يقول للنبى صلى الله عليه وسلم حين افتدى يوم بدر عندي فرس أعلفها كل يوم فرقا من
الشفا - (ج 1 / ص 117)
ذرة أقتلك عليها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا أقتلك إن شاء الله فلما رآه يوم أحد شد أبى على فرسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترضه رجال من المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا أي خلوا طريقه وتناول الحربة من الحارث بن الصمة فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض ثم استقبله النبي صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه فرجع إلى قريش يقول قتلني محمد وهم يقولون لا بأس عليك فقال لو كان ما بى بجميع الناس لقتلهم
الشفا - (ج 1 / ص 118)
أليس قد قال أنا أقتلك والله لو بصق على لقتلني فمات بسرف في قولهم إلى مكة.
(فصل) وأما الحياء والإغضاء: فالحياء رقة تعترى وجه الإنسان عند فعل ما يتوقع كراهيته أو ما يكون تركه خيرا من فعله والإغضاء التغافل عما يكره الإنسان بطبيعته وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء قال الله تعالى (إن ذلكم كان يؤذى النبي فيستحيى منكم) الآية * حدثنا أبو محمد بن عتاب بقراءتي عليه حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن القابسى حدثنا أبو زيد المروزى حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا شعبة عن قتادة سمعت عبد الله مولى أنس يحدث عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أشد حياء من العذراء في خذرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه وكان صلى الله عليه وسلم لطيف البشرة رقيق الظاهر لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس، وعن عائشة رضى الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال
¥