تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كل هذه النصوص والآثار تدل على عظيم فتنة النظر والاستماع، وأن العباد قد يقعون في الكبائر بسببهما، وكان الرجل يرى المرأة أو يستمع إليها في طريق أو سوق أو بستان أو نحوه، وقد يمر عليه أيام لا يرى امرأة أبدا، هذا كان قديما، لكن مع اختراع وسائل تحريك الصور ونقلها وحفظها ازدادت نسبة النظر إلى النساء فيما عرف بدور السينما، ثم مع اختراع شبكات التلفزة ازداد النظر إليهن أكثر من ذي قبل؛ لأنهن اقتحمن على الناس بيوتهم، ثم لما حدثت ثورة الاتصالات في البث الفضائي والشبكة العنكبوتية صار النظر إلى النساء وهن بأبهى حلة أمرا مألوفا عند أكثر الناس.

إن القدرة على تخزين الصور المتحركة وبثها -المعروف بالسينما- كان أكبر حدث في التاريخ البشري أثَّر في حفظ الأسماع والأبصار عن الحرام، وسبى القلوب والعقول، وفَتَن الناسَ فتنة عظيمة ..

كانت بداية ذلك قبل ما يزيد على مئة سنة من الآن في فرنسا وأمريكا، وما هي إلا أشهر عدة حتى انتشرت هذه الصناعة الجديدة في بلاد الغرب، ونقلها اليهود والنصارى إلى مصر في نفس العام الذي بثت فيه فرنسا أول فيلم لها، وأُقحمت النساء فيها أول بدئها في مصر، وكان أكثر المخرجين والمنتجين والممثلين من أبناء اليهود والنصارى وبناتهم الذين تربعوا فيما بعد على عرش هذا الفن، وقُدِّموا للأمة روادا لها، وجُعلوا قدوة للشباب والفتيات يقتدون بها، ومن هؤلاء السينمائيين من اضطروا لتغيير أسمائهم اليهودية والنصرانية لئلا تُعرف دياناتُهم فلا يَقْبَلُهم الجمهور، ولا يُقْبِلون على إنتاجهم وإفسادهم للناس.

وما مضت ثلاثة عقود على نشأة السينما في مصر إلا وكان بها أكثر من مئة شركة إنتاج سينمائي تصوغ العقول، وتفرض الأفكار، وتسطو على القيم والأخلاق .. تدار بأيدي أجانب ووكلائهم، ويمولها اليهود والنصارى، ويرسمون سياستها؛ ولذا فإنها كُرِّست لإفساد الشباب والشابات، ودارت أفلامها في فلك الحب الغرام، ونشر ثقافة التمرد والتحرر واللذات المحرمة، وغزت عقول مشاهديها بالأفكار الغربية المادية المتحللة من الدين والأخلاق.

حتى إن مجلة صباح اليسارية المصرية تذمرت من السيطرة الأجنبية على السينما المصرية، وغرسها لأفكار وأخلاق معينة فكتبت في افتتاحيتها: «لقد كنا إلى آخر لحظة نحسن الظن أو نحاول أن نحسن الظن بجماعة الأجانب الذين يحترفون السينما في مصر ... وطالما أغمضنا أعيننا عن كثير من الجرائم التي يرتكبونها ويعتدون فيها على كرامة المصري .... أهملوا اللغة العربية وهي لغة السواد الأعظم من أبناء البلاد ... »

وفي حقبة الأربعينات الميلادية شن أحد النقاد اليساريين حملة قوية على وضع السينما ومضامينها، وكتب المقالات المنتقدة لها، وسماها (سينما المخدرات) لما فيها من مضامين الفساد .. وهاجم نظرية (الفن للفن) التي يرددها الآن بعض بني قومنا المتحمسين للإفساد في بلادنا باسم الانفتاح والإصلاح.

وكل ما نقلته وما سأنقله على مسامعكم من أقوال حول السينما فإنها ليست لعلماء ولا لدعاة ولا لأحد ينتسب للتيارات الإسلامية، وإنما هي لأناس تحمسوا للسينما في أوطانهم، لكنهم لما رأوا أفكارها ورسالتها التي تؤديها علموا أنها ليست أداة محايدة للترفيه، وإنما هي مزرعة لاستنبات الأفكار الغربية المنحرفة في البيئة الشرقية المسلمة، فأبت عليهم وطنيتهم إلا أن يبينوا ذلك للناس ويحذروهم منه.

لقد درس ناقد فرنسي إنتاج السينما العربية، وحلل واقعها خلال خمسة عشر عاما ليثبت بعد ذلك السطو الإمبريالي الرأسمالي عليها ويؤكد في دراسته استئثار شركات الإنتاج والتوزيع الأمريكية بها.

ويلخص هذا المعنى أحد أشهر النقاد السنيمائيين العرب فيقول: «كانت الأفلام الواردة من خارج الوطن العربي والعالم الإسلامي والأفلام المصنوعة داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي تتقاسم قتل المشاهد فكريا وأخلاقيا بصورة تبعث على الدهشة، وكأنما كان هناك نوع من التلذذ بعملية هذا القتل البطيء والمستمر دونما هوادة .. » ثم يذكر أن أي دراسة سيسيولوجية لتأثير ما أنتجته السينما تُظْهِر بجلاء أنها لعبت دورا كبيرا في تخريب الكثير من القيم الإنسانية، وفي تشويه العقل العربي الخام، ودفعه في اتجاه البحث عن قيم غربية بعيدة عن تقاليده وقيمه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير