تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن الصلاح: وينبغى الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه، أى مثله، فهو المراد، وأن يصرح به لفلان، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فما له أولى، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال. ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو اللّه أن يرحم الميت: والرحمة ليست ملكا له بل للَّه، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها.

وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة، ثم يدعو بعدها أن يوصل اللَّه مثل ثوابها إلى الميت. وقد تقدم كلام ابن قدامة في المغنى عن ذلك. والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين: اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان. الحالة الثالثة: إذا نوى القارئ أن يكون الثواب، أى مثله، للميت ابتداء أي قبل قراءته أو فى أثنائها يصل ذلك إن شاء اللّه، قال أبو عبد اللَّه الأبى: إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه كالصدقة والدعاء، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل، لأن ثواب القراءة للقارىء لا ينتقل عنه إلى غيره.

وقال الإِمام ابن رشد فى نوازله: إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره، ووصل إليه نفعه، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها، ولعله يريد ما قاله الأبى. هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإِهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارىء أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له، أو نيته ولم يدع له، وفد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم. وقد مر كلامهم فى ذلك. قال الشوكانى " نيل الأوطار ج 4 ص 142 ": المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل، كذا ذكره النووى فى الأذكار. وفى شرح المنهاج: لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل اللّه إيصال ثواب قراءته، وينبغى الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء. وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجرى فى سائر الأعمال. والظاهر أن الدعاء متفق عليه أن ينفع الميت والحى، والقريب والبعيد، بوصية وغيرها، وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب.

انتهى. هذا، وقد قال الأبى: والقراءة للميت، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها، فلعل الحق الوصول، فإن هذه الأمور مغيبة عنا، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا. وأنا مع الأبى فى هذا الكلام، فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد. مع تغليب الرجاء فى رحمة اللّه وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما. وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرى بأجر الجمهور على عدم انتفاع الميت به، لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت، ولم تكن قراءته لوجه اللَّه حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت، بل كانت القراءة للدنيا. ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت والأعمال بالنيات، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد و الطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل (اقرأوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به) قال الهيثمى: رجال أحمد ثقات، وقال ابن حجر فى الفتح:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير