" وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنِ استحسان بعض البدع، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية، لا الشرعية، فمِنْ ذلك قولُ عمر - رضي الله عنه - لمَّا جمعَ الناسَ في قيامِ رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال: نعمت البدعةُ هذه وروي عنه أنَّه قال: إنْ كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة "
ثم قال:
" ومراد الشافعي - رحمه الله - ما ذكرناه مِنْ قبلُ: أنَّ البدعة المذمومة ما ليس لها أصل منَ الشريعة يُرجع إليه، وهي البدعةُ في إطلاق الشرع، وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة، يعني: ما كان لها أصلٌ مِنَ السنة يُرجع إليه، وإنَّما هي بدعةٌ لغةً لا شرعاً؛ لموافقتها السنة " ا. هـ كلام ابن رجب
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله:
" والبدعة على قسمين تارة تكون بدعة شرعية كقوله فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن كم إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم نعمت البدعة. اهـ.
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله:
" فعلى هذا لا ينبغي أن يسمى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة بدعة أصلا
ومن سماه بدعة فإما على المجاز كما سمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام الناس في ليالي رمضان بدعة وإما جهلا بمواقع السنة والبدعة فلا يكون قول من قال ذلك معتدا به ولا معتمدا عليه "
وقال الإمام أبو شامة:
" فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم وفعله ...
ثم نقول أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق " ا. هـ
وكان قال في مطلع كتابه:
" قلت وقد غلب لفظ البدعة على الحدث المكروه في الدين مهما أطلق هذا اللفظ ومثله لفظ المبتدع لا يكاد يستعمل إلا في الذم وأما من حيث أصل الاشتقاق فإنه يقال ذلك في المدح والذم " ا. هـ
وهذا تفريق واضح بين البدعة لغة وشرعا.
قال الإمام الزركشي في كتابه المنثور في القواعد:
" الْبِدْعَةُ قَالَ (ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ): هِيَ فِي اللُّغَةِ إحْدَاثُ سُنَّةٍ لَمْ تَكُنْ، وَتَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ بِدْعَةٌ، إذَا كَانَ مُجَاوِزًا فِي حِذْقِهِ، وَجَعَلَ مِنْهُ (ابْنُ فَارِسٍ) فِي (الْمَقَايِيسِ) قَوْله تَعَالَى {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ} أَيْ أَوَّلَ فَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَمَوْضُوعَةٌ لِلْحَادِثِ الْمَذْمُومِ، وَإِذَا أُرِيدَ الْمَمْدُوحُ قُيِّدَتْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَجَازًا شَرْعِيًّا حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً، وَفِي الْحَدِيثِ {كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ}، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) الْمُحْدَثَاتُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا أُحْدِثَ مِمَّا يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَرًا أَوْ إجْمَاعًا، فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ.
وَالثَّانِي: مَا أُحْدِثَ مِنْ الْخَيْرِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِيَامِ (رَمَضَانَ): نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هِيَ يَعْنِي أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَإِذَا كَانَتْ لَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى انْتَهَى.
وَانْظُرْ كَيْفَ تَحَرَّزَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كَلَامِهِ عَنْ لَفْظِ الْبِدْعَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى لَفْظِ الْمُحْدَثَةِ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ " ا. هـ
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح:
" وَأَمَّا " الْبِدَع " فَهُوَ جَمْع بِدْعَة وَهِيَ كُلّ شَيْء لَيْسَ لَهُ مِثَال تَقَدَّمَ فَيَشْمَل لُغَة مَا يُحْمَد وَيُذَمّ، وَيَخْتَصّ فِي عُرْف أَهْل الشَّرْع بِمَا يُذَمّ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمَحْمُود فَعَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَويِ " ا. هـ.
وقال السخاوي في فتح المغيث:
((هي ما أحدث على غير مثال متقدم فيشمل المحمود و المذموم، و لكنها خصت شرعا بالمذموم مما هو خلاف المعروف)) ا. هـ
وفي الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي
¥