والإضافة في كونها: من جانب هي عبادة، ومن جانب هي محدثة
فهي بدعة نسبية أو إضافية
وهكذا كل عبادة تُحدَّد وتُخصَّص بغير دليل شرعي سواء بوقت أو عدد أو سبب أوكيفية (صفة) أو مكان
فالصيام عبادة عظيمة لكن من كان يخص شهر ربيع الأول بالصيام فيكون قد أحدث وابتدع لأن النبي لم يكن يخص ربيعا الأول بالصيام
فمِن جانبِ أصلِ العمل هو عبادة ومن جانب تخصيص ربيع الأول هو محدث وبدعة فيكون الحكم على مجموع العمل بأنه محدث
وهكذا
قال الشاطبي رحمه الله:
" ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقية أن يكون أصل العبادة مشروعا إلا أنها تخرج عن أصل شرعيتها بغير دليل توهما أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل وذلك بأن يقيد إطلاقها بالرأي أو يطلق تقييدها وبالجملة فتخرج عن حدها الذي حد لها ..
فإذا خص منه يوما من الجمعة بعينه أو أياما من الشهر بأعيانها ـ لا من جهة ما عينه الشارع ـ فإن ذلك ظاهر بأنه من جهة اختيار المكلف كيوم الأربعاء مثلا أو الجمعة والسابع والثامن في الشهر وما أشبه ذلك بحيث لا يقصد بذلك وجها بعينه مما لا ينثني عنه فإذا قيل له: لم خصصت تلك الأيام دون غيرها؟ لم يكن له بذلك حجة غير التصميم أو يقول: إن الشيخ الفلاني مات فيه أو ما أشبه ذلك فلا شك أنه رأي محض بغير دليل ضاهى به تخصيص الشارع أياما بأعيانها دون غيرها فصار التخصيص من المكلف بدعة إذ هي تشريع بغير مستند
ومن ذلك تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تشرع لها تخصيصا كتخصيص اليوم بكذا وكذا من الركعات أو بصدقة كذا وكذا أو الليلة الفلانية بقيام كذا وكذا ركعة أو بختم القرآن فيها أو ما أشبه ذلك فإن ذلك التخصيص والعمل به إذا لم يكن بحكم الوفاق أو بقصد يقصد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط كان تشريعا زائدا " ا. هـ
فالتخصيص الغير مقصود كمن لا يجد وقتا لعبادة ما إلا في وقت خاص لظروف شغل أو نحوه فلا يدخل في البدعة، لأنه لم يقصد وكذا من خطر له في وقت من الأوقات أن يتقرب إلى الله بعبادة من العبادات ثم كررها في نفس الوقت، ولو مرارا دون تقصّد ولا تحري فلا يدخل في البدعة خلافا لما ألصقه الأستاذ بمخالفيه تشويها وتشنيعا.
ثم قال الشاطبي:
" ومن ذلك أيضا جميع ما تقدم في فضل السنة التي يكون العمل بها ذريعة إلى البدعة من حيث إنها عمل بها ولم يعمل بها سلف هذه الأمة
ومنه تكرار السورة الواحدة في التلاوة أو في الركعة الواحدة فإن التلاوة لم تشرع على ذلك الوجه ولا أن يخص من القرآن شيئا دون شيء لا في صلاة ولا في غيرها ـ فصار المخصص لها عاملا برأيه في التعبد لله
وخرج ابن وضاح عن مصعب قال: سئل سفيان عن رجل يكثر قراءة: {قل هو الله أحد} لا يقرا غيرها كما يقرؤها فكرهه وقال: إنما أنتم متبعون فاتبعوا الأولين ولم يبلغنا عنهم نحو هذا وإنما أنزل القرآن ليقرأ ولا يخص شيء دون شيء
وخرج أيضا ـ وه في العتبية من سماع ابن القاسم ـ عن مالك رحمه الله أنه سئل على قراءة {قل هو الله أحد} مرارا في الركعة الواحدة فكره ذلك وقال: هذا من محدثات الأمور التي أحدثوا" ا. هـ
ومما أجاب به عما يروجه بعضهم من تسويغ للبدع التي من هذا النوع بحجة أنها مشروعة في أصلها مبينا أن الحكم إنما يبنى على مجموع العمل بما فيه من قيد محدث فيكون العمل محدثا بالمآل
قال الصيرفي الماهر الإمام الشاطبي رحمه الله:
" فإذا كانت الصفة الزائدة على المشروع على هذه النسبة صار المجموع منهما غير مشروع فارتفع اعتبار المشروع الأصلي
ومن أمثلة ذلك أيضا قراءة القرآن بالإدارة على صوت واحد فإن تلك الهيئة زائدة على مشروعية القراءة وكذلك الجهر الذي اعتاده أرباب الزوايا ..
واعلموا أنه حيث قلنا: إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفا لها أو كالوصف فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة: إما القصد وإما بالعادة وإما بالشرع أو النقصان
¥