ولذلك بعض أهل العلم ممن ترجح لديه أن ذلك الحمد من الرجل كان ضمن ذكر الرفع من الركوع إنما جوز في هذا الموطن فقط (الرفع من الركوع) الزيادة على ما ورد وليست أي زيادة وإنما زيادة بالثناء قياسا على الحديث كما نقل معناه ابن رجب في الفتح عن الشافعي ورواية عن أحمد
لكن الأستاذ لا يلتفت إلا إلى ما يريد والله المستعان.
ـ أما تسبيح أبي هريرة اثنتي عشرة ألف تسبيحة في اليوم، فالذي صح مما وقفت عليه هو قوله:
" إني لأسبح كل يوم اثنتي عشرة مرة ألف تسبيحة قدر ديتي - أو قدر ديته "
وهو محتمل لأن يكون ألف تسبيحة فقط مجزءة على اثنتي عشرة مرة ومحتمل لما ذكره الأستاذ
والجواب كالتالي:
أولا المحكم من آثار الصحابة ومن نصوص الكتاب والسنة والذي ثبت عن طريق عشرات النصوص وعشرات الآثار لعشرات الصحابة من خلفائهم وعلمائهم وهو الذي عليه عامة السلف كما سبق وسيأتي هو المنع من التخصيص دون دليل
هذا أصل ثابت محكم ولا يرده تطبيق واحد متشابه غير واضح بل ولا تطبيقين أو ثلاثة
هذا لو كان فعلا يتعارض معها فما بالك وهو غير صريح في معارضة ما جاء في المحكم فلا أحد يقطع بأن هذا الرقم تحديدي قطعا، بمعني أنه لا يسبح (11960) تسبيحة ولا (12040) أو أكثر من هذا أو أقل هذا لايقوله من شم العدل، فوارد ودون تكلف أن يكون تقريبيا وخاصة أن العرب دائما تحكي الأرقام بمبدإ جبر الكسر وأبو هريرة عربي دوسي
وعليه مثل هذا الرقم لا يلزم أن يكون أبو هريرة يفضله على غيره ويطلبه تحديدا هذا لايلزم بل مستبعد جدا ولا أنه يحدده لمعنى بدا له وعن غير توقيف بل مثل هذا يبعد جدا لأنه يتيم في فقه الصحابة وهديهم ولا نظير له يجعله واردا بصورة معتبرة
بل بما أن الرقم تقريبي في الغالب وإنما ذكر جبرا للكسر وهذا على الغالب فيكون من الوارد أن أبا هريرة قد اعتاد الاشتغال بالتسبيح لفترة من الزمن فكان متوسط ما يسع له وقته وظرفه وطاقته قرابة اثنتي عشرة ألف تسبيحة كل يوم وهو ما يقارب من حيث الزمن ثلاث ساعات ونصف تقريبا فبعد زمن من الاجتهاد في الإكثار من التسبيح استقر عدد تسبيحاته التي يسع لها جهده ووقته استقر فيما يقارب هذا العدد فهل في هذا من حجة على جواز الإحداث؟
يا أخي أنا لو كنت مجتهدا في الصدقة ولا يفوت يوم إلا وأتصدق فيه تارة أعطي عشرة جنيهات وتارة أعطي أحد عشر وتارة أعطي تسعة وبحسب دخلي كان بمقدوري التصدق بنحو هذا الرقم يوميا ولو كان بوسعي أن أتصدق بأكثر لفعلت
وبعد فترة علمت فعلا ما يناسب دخلي فكان ما أدفعه يوميا بمتوسط عشرة جنيهات فحافظت على هذا المتوسط حتى آخر عمري فجاء أحد تلاميذي وقال كان فلان يتصدق يوميا بعشرة جنيه فهل في عملي هذا حرص على تحديد الرقم وتخصيص أم أنه وافق طاقتي فقط
هذا المعنى تماما يرِد على فعل أبي هريرة
وهذا المثال يختلف فيه الحكم، فإذا كان تحديد عدد ما للتسبيحات مرادا ومقصودا كرقم ويعتقد صاحبه استحباب التقيد بهذا العدد فعند ذلك لا شك أنه يصبح بدعة
كمن يسبح بعدد آيات القرآن يعتقد أنه تحديد مفضل
أو يسبح بعدد من شهدوا فتح مكة وهم عشرة آلاف ويعتبره من أهم الأحداث فرأى استحباب التقيد بعددهم ونحوه من التحديدات
فهذا الذي نراه بدعة ضلالة
وأيضا نحذر من كل تحديد عموما ولو كان صاحبه لا يظهر اعتقادا خاصا بالعدد لأنه إن لم يكن موافقا لصريح البدعة فلا أقل من أن يكون ذريعة لها
وإنما نستثني من يقارب عددا معينا ويحافظ عليه مقاربة لا عن اعتقاد ولا عن تحديد مجرد، وإنما لكونه قدر الطاقة أو الجهد أو قدر الوقت المتيسر
و لا يفوتني أن أنبه إلى أن مذهب ابن مسعود وابن عمر هو منع التحديد مطلقا كما سبق نقله بأسانيد صحيحة
فعلى من يُصرّ على الاستدلال بأثر أبي هريرة بالمعنى الذي استبعدناه أن لا يكتم الناس أنه مخالف بذلك المعنى لمذهب صحابة آخرين
وعليه أن يتق الله فلا يجعل من هذا الأثر بذلك المعنى المستبعد مع مخالفته لآثار أخرى أصرح وأكثر وأصح
لا يجعله أصلا مع كل هذا ومع مخالفته لعامة تطبيقات السلف وعامة النصوص المحرمة لإدخال التحديدات على العبادات
فهذا منه اتباع للمحتمل وترك للصريح والواضح؟
اتباع للمتشابه وترك للمحكم
¥