[يعاني من كثرة التثاؤب داخل الصلاة فماذا يصنع؟]
ـ[عبد الله الأثري الجزائري]ــــــــ[24 - 06 - 09, 06:24 م]ـ
الحمد لله
أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين، وذكر تعالى أن من أعظم صفاتهم أنهم (فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يسعى لإلهاء المصلي في صلاته، وقد ابتلى الله المؤمنين بذلك، ومن طرق إلهاء الشيطان للمصلي إشغاله لفكره، ووسوسته له في صلاته، ومنها: تسلطه عليه بالتثاؤب حتى يشغله بها عن صلاته، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التثاؤب من الشيطان، وأَمرنا أن نرد التثاؤب ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فإذا غلبنا التثاؤب فقد أَمرنا أن نضع أيدينا على أفواهنا، وهذه هي نصوص الأحاديث مع بيان شرحها:
1. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ – [وفي رواية: فِي الصَّلاةِ] فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ) رواه مسلم (2995).
2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: " ها " ضحك الشيطان) رواه البخاري (3115) ومسلم (2994).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة , أي: أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائباً، لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه، لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب.
وقال ابن العربي: قد بينَّا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته , وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى المَلَك لأنه واسطته , قال: والتثاؤب من الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان , والعطاس من تقليل الغذاء، وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة المَلَك.
وقال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه , والمراد: التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك، وهو التوسع في المأكل.
قوله: " فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع " أي: يأخذ في أسباب رده , وليس المراد به أنه يملك دفعه، لأن الذي وقع لا يرد حقيقة , وقيل: معنى (إذا تثاءب) أي: إذا أراد أن يتثاءب ... .
قال شيخنا – أي: الحافظ العراقي - في " شرح الترمذي ": أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب , ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة، فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد , وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته , ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد , ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة.
ويؤيد كراهته مطلقا كونه من الشيطان , وبذلك صرح النووي , قال ابن العربي: ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة , وإنما خص الصلاة لأنها أولى الأحوال بدفعه، لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة ... .
وأما قوله في رواية مسلم: (فإن الشيطان يدخل) فيحتمل أن يراد به الدخول حقيقة , وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكراً لله تعالى , والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة.
ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه؛ لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه.
وأما الأمر بوضع اليد على الفم فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطى بالكف ونحوه، وما إذا كان منطبقا حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك.
وفي معنى وضع اليد على الفم وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود , وإنما تتعين اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها , ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره , بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم، ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه.
ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يمسك عن القراءة حتى يذهب عنه لئلا يتغير نظم قراءته " انتهى.
" فتح الباري " (10/ 612).
وقال النووي رحمه الله:
" وسواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها: يستحب وضع اليد على الفم , وإنما يكره للمصلي وضع يده على فمه في الصلاة إذا لم يكن حاجة كالتثاؤب وشبهه " انتهى.
¥