ولا يقال حينئذ إن هذا يتنافى مع محبة لقاء الله، وما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)، لأن هذا الحديث يحكي حالة معينه في زمن معين، وهي حالة النزع وخروج الروح حين لا تقبل التوبة، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، وحين يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه فيفرح المؤمن بلقاء الله، ويكره الكافر والمنافق ذلك.
وقد جاء هذا مبيناً في رواية مسلم أن شريح بن هانئ جاء إلى عائشة رضي الله عنها فقال: " يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً إن كان كذلك فقد هلكنا، فقالت: " إن الهالك من هلك بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وما ذاك؟ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)، وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت، فقالت: قد قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ".
وكيف يزعم أن في الحديث ما يفيد أن موسى عليه السلام لا يحب لقاء ربه، وقد خير - بعد أن تيقن أن الذي جاءه هو ملك الموت – بين الإمهال والعيش سنين عديدة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور، وبين الموت، فاختار الموت حباً للقاء الله، وشوقاً إلى ما عنده.
رابعاً: أن الصورة التي تصور بها ملك الموت غير الصورة الحقيقة التي خلقه الله عليها، فلا يقال كيف تمكن موسى من الوقيعة بملك الموت؟ ومن ثم فإن اللطمة إنما وقع تأثيرها على تلك الصورة العارضة، ولم ينل الملك منها أي بأس، وذلك لحكمة أرادها الله سبحانه، حتى إذا رد الله عليه عينه، ورجع إلى موسى سليماً في صورة كاملة مع قرب الوقت، كان ذلك أقوى في اعتباره.
وأما لماذا لم يدافع الملك عن نفسه مع قدرته على إزهاق روح موسى وأمر الله له بذلك؟! فقد سبق أن الأمر كان للابتلاء و الاختبار، وأن الله جل وعلا لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ، ولم يأمره أمراً يريد إمضاءه، ولو أراد سبحانه أن يقبض روح موسى عليه الصلاة والسلام حين لطم الملك، لكان ما أراد، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، فمن كان له اعتراض فليعترض على حكمة الله.
وأما ضياع حق الملك وعدم الاقتصاص له، فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر؟!، ومن أخبره أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له؟!، وما الدليل على أن ذلك كان عمداً حتى يطالب بالقصاص؟!، هذه كلها أسئلة تحتاج إلى إجابة، وتوقيف عن الشارع، وإلا فهو التخرص والافتئات على الشريعة.
إن هذا الحديث وأمثاله موطن من مواطن امتحان إيمان المرء بالغيب، وتسليمه لله ولرسوله، وانقياده لشريعته، وعدم تقديم شيء بين يديها من العقول والآراء، ومن أجل هذا ذكره أهل العلم في جملة الأمور التي يجب على العبد اعتقادها والإيمان بها وتصديقها، شأنه في ذلك شأن أحاديث الإسراء والمعراج، وأحاديث أشراط الساعة، وأشباه ذلك مما صح به النقل من قضايا الغيب، وأمور الاعتقاد.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في رسالته المسماة بـ" لمعة الاعتقاد ": " ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وصح به النقل عنه، فيما شاهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج ........ ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه، فرد عليه .... إلخ.
فالواجب على المسلم كمال التسليم لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم –، وتلقي خبرهما بالقبول والتصديق، وعدم معارضته بالعقول الفاسدة والآراء السقيمة، شعاره في ذلك: " سمعنا وأطعنا وسلَّمنا "، {آمنا به كل من عند ربنا}.
ـ[أم الخطاب]ــــــــ[02 - 07 - 09, 01:10 م]ـ
بارك الله بكم ,,
ـ[أبو عبيدة التونسي]ــــــــ[02 - 07 - 09, 03:34 م]ـ
راجع كتاب فتاوى أبي إسحاق الحويني المسمّى إقامة الدّلائل على عموم المسائل، الجزء الأوّل، السّؤال الرّابع، ص 50
و يمكنك تحميل الكتاب من موقع الشيخ حفظه الله
http://www.alheweny.org/new/play.php?catsmktba=720
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[02 - 07 - 09, 08:49 م]ـ
جزاكم الله خير ..
أخي مختار الديرة ... زادك الله علما وفقها .. فقد أفدتنا .. أفادك الله بعلم يرفعك في الدنيا والآخرة
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[02 - 07 - 09, 10:17 م]ـ
جزاكم الله خيرا, ولا حرمكم الأجر,
للفائدة أيضاً:
ملك الموت عليه السلام / الشيخ المنجد ( http://www.alminbar.net/alkhutab/madda.asp?mediaURL=2513)
كتابات ضد الاسلام/ الشيخ أبو اسحاق الحويني (صوتي) ( http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=361)
كتاب أحاديث الأنبياء / فتح الباري ( http://www.al-eman.net/hadeeth/viewchp.asp?BID=12&CID=328)
¥