تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عروقه لله وفي الله، وبذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله أشداء على الكفار رحماء بينهم (15)، وقال تعالى أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين (16)، وقال جل جلاله ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله (17)، فلو كانت الغلظة والشدة في الله ولله كذلك الغضب والحدة من موسى لله وفي الله، والجميع صفة مدح ونعت ثناء. ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام في مدحه أبا بكر رضي الله عنه في رقته ورحمته وتشبيهه إياه بإبراهيم إذ يقول يجادلنا في قوم لوط (18) وقوله فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم (19) وعيسى عليه السلام حين قال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (20) وقوله صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه ومدحه له في غلظته وشدته في الله ولله، وتشبيهه إياه بنوح عليه السلام حين قال لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا (21) فأوصاف الأنبياء صلوات الله عليهم والرسل عليهم الصلاة والسلام أوصاف مدح، ونعوتهم نعوت ثناء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين. فيجوز أن يكون صكه لملك الموت، ولطمه إياه لم يكن زلة؛ لأنها لم تكن بغضب نفسه، وإنما كان غضبا لله، وشدة في أمر الله، وحمية لدين الله، وذلك أن الملك أتاه في صورة إنسان. فيجوز أن يكون موسى لم يعرف أنه ملك رسول الله، كما لم يعرف النبي صلى الله عليه وسلم جبريل صلوات الله عليه حين جاءه يسأله عن الإيمان والإسلام حتى قال صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل أتاكم ليعلمكم معالم دينكم، والله ما أتاني في صورة قط إلا وقد عرفته فيها إلا في هذه الصورة»، فكذلك موسى يجوز أن يكون أتاه في صورة لم يأته فيها قبلها، فلم يعرفه ثم أراد قبض روحه أنكر أن يكون إنسان يريد قبض روح كليم الله ورسوله، وصكه ولطمه إنكارا له وردا عليه أنه ملك، وأنه لله رسول أنكر عليه إدعاءه ما ليس للبشر من قبض أرواح الأنبياء، ومن ادعى ذلك من البشر فهو كاذب على الله فغضب لله فصكه ولطمه، ألا ترى منه لما عاد إليه فخيره بين أن يضع يده على خبب ثور وأن يموت، اختار الموت استسلاما لله ورضاء لحكمه، وتصديقا لرسوله. وأما فقؤ عينه فإنه لم يكن فعلا لموسى صلوات الله عليه، وإن كان على أثر لطمه إياه وصكه له، وإنما كان ذلك فعل الله تعالى أحدثه في الصورة التي أتى الملك فيها، وذلك أن الإنسان عندنا لا يفعل في غيره، وإنما يفعل في نفسه ومحل قدرته، وما يحدث بعد ذلك من ألم عند الضرب، وموت عند قطع الأوداج، وذهاب السهم بعد الرمي، والإحراق عند اشتعال النار في الحطب والجمع بينهما، والبرد في الثلج وغير ذلك مما يظهر بعد حركات المحدث في نفسه، فإنها كلها أفعال الله تعالى أحدثها واخترعها، وكذلك الإحراق عند اشتعال النار في الحطب والجمع بينهما، والبرد في الثلج وغير ذلك كلها أفعال الله تعالى يحدثها ويخترعها الله إذا شاء وحين يريد، وإن كان ذلك أثر حركات المحدث في نفسه، والفقاء إنما حل في الصورة لا في الملك؛ لأن بنية الملائكة وخلقه ليست من الأمشاج والطبائع المختلفة التي تقبل الكون والفساد وتحلها الآفات، ويؤثر فيها أفعال المحدث؛ لأنهم لا يمنون، ولا يتوالدون، ولا ينامون، ولا يأكلون، ولا يسأمون، ولا يستجرون، ولا يفقرون، وكل هذه آفات، والفقؤ آفة، وهم لا يحلهم الآفات. فالآفة التي هي الفقؤ إنما حل في الصورة التي جاء الملك فيها لا في عين الملك، وليس الملائكة كالناس، فإن الناس إنسان بصورته وخواصه، ولا يكون الإنسان إنسانا بخواصه دون صورته التي هي صورة الناس، فإنه وإن وجدت خواصه في نوع من أنواع الحيوان، ولم توجد صورة الإنسان فليس ذلك النوع إنسانا حتى يوجد ثلاثة الإنسان وصورته وخواصه، والملك ملك بخواصه دون صورته؛ لأن صورهم مختلفة وخواصهم واحدة، فمنهم من هو فيهم على صورة الإنسان، ومنهم على صورة الطير، ومنهم على صورة السباع، ومنهم على صورة الأنعام، وكلهم ملائكة ولهم أجنحة على أعداد متفاوتة قال الله تعالى الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع (22) ثم قال يزيد في الخلق ما يشاء ....... فكذلك الصورة التي أتى ملك الموت فيها موسى، هي صورة أدخل الله الملك فيها، والفقاء إنما حل في الصورة دون الملك، وهو أن يكون الله تعالى أذهب عين الصورة عند لطم موسى عليه السلام، فكأنه في ذلك الوقت في صورة رجل أعور، كما كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل ليست له أجنحة، ولا على ذلك العظم الذي أتى له مرة على صورة دحية فهو يعرفه فيها، ومرة على صورة غيره فلم يعرفه فيها، كذلك ملك الموت أتى موسى صلوات الله عليهما حين أتاه على صورة إنسان صحيح العينين، ثم نقله الله عند لطم موسى على صورة إنسان فقئت عينه، وهو ملك كما هو قبل انتقاله إلى إحدى الصورتين لم ينتقل من الملكية إلى الإنسانية والبشرية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير