ذكر الحافظ هذا الباب بعد باب «الوضوء» للمناسبة بينهما، لأن المسح على الخفين يتعلق بعضو من أعضاء الوضوء.
والمسح: إمرار اليد على الخفين مبلولة بالماء، والمراد بالخفين: ما يلبس على القدم من الجلد ساتراً لها
والمسح على الخفين ثابت في القران والسنة المتواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد أجمع عليه المسلمون، خلا الشيعة، ولا يعتد بهم.
وأما السنة فقد ثبت جواز المسح على الخفين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولاً وفعلاً، حضراً وسفراً، وبلغت الأحاديث في ذلك حد التواتر، فقد نقل ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: (حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه مسح على الخفين)
بيان حكم المسح على الخفين
58/ 1 ـ عَنِ المُغيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، فَتَوَضّأَ، فَأَهْوَيْتُ لأنزِعَ خُفّيهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فَمَسحَ عَلَيْهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
شرح ألفاظه:
قوله: (فأهويت): أي: انحنيت ماداً يدي
قوله: (لأنزع) أي: أخلع، وهذا الصنيع من المغيرة رضي الله عنه يحتمل أنه لم يكن قد علم برخصة المسح، أو علمها وظن أنه صلّى الله عليه وسلّم سيفعل الأفضل على القول بأن الغسل أفضل.
قوله: (دعهما) الضمير يعود على الخفين، أي: اتركهما
المسائل:
- الحديث دليل على جواز المسح على الخفين في الوضوء بدلاً من غسل الرجلين، وذلك في السفر لهذا الحديث
-الحديث دليل على أن المسح على الخفين لمن كان لابساً لهما أفضل من خلعهما وغسل الرجلين، لقوله: (دعهما)، ولأن المسح من السنة الثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
-الحديث دليل أن المسح يكون على مطلق الخف، فما سمي خفاً جاز المسح عليه، ولو كان فيه خرق أو شق على الصحيح من قولي أهل العلم؛ لأن السنة وردت بالمسح على الخفين مطلقاً دون تقييده بأوصاف زائدة، ولأن الخفاف في العادة لا يخلو كثير منها من فتق أو خرق، لا سيما مع تقادم عهدها، وكان كثير من الصحابة رضي الله عنهم فقراء لا يمكنهم تجديد ذلك، فما أطلقه الشرع لم يجز لأحد تقييده إلا بدليل شرعي، والصحابة رضي الله عنهم لم ينقل عن أحد منهم تقييد الخف بشيء من القيود، بل أطلقوا المسح على الخفاف مع علمهم بأحوالها، فعلم أنهم كانوا قد فهموا عن نبيهم جواز المسح على الخفين مطلقاً
-استدل بعض العلماء بقوله: «فإني أدخلتهما وهما طاهرتان» على أن إكمال الطهارة شرط في صحة المسح على الخفين، وأنه لا يلبسهما إلا بعد طهارة الرجلين جميعاً؛ لأن قوله: «وهما طاهرتان»، حال من كل واحدة من الرجلين، فيصير التقدير: أدخلت كل واحدة في حال طهارتها، وذلك إنما يكون بإكمال الطهارة، وعلى هذا فلو غسل الرجل اليمنى وأدخلها، ثم اليسرى وأدخلها لم يصح المسح؛ لأنه لم يدخلهما وهما طاهرتان، بل أدخل الأولى قبل طهارة الثانية، وهذا قول مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد.
قال الشيخ عبدالرحمن السديس: الاحوط هذا القول أي الاول.
والقول الثاني: أن من غسل إحدى رجليه ولبس الخف، ثم غسل الأخرى ولبس الخف أن طهارته كاملة، ويجوز له المسح، وهذا قول الحنفية، وبعض الشافعية، ورواية عن الإمام أحمدوقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: (إن هذا الصواب بلا شك) كما اختاره ابن القيم، وقال: (إنه أصح القولين).
-الحديث دليل على شرط من شروط المسح على الخفين، وهو أن يلبسهما على طهارة، وظاهره أن المراد الطهارة بالماء؛ لأنها هي المراد عند الإطلاق، وهذا قول الجمهور
محل المسح على الخفين
59/ 2 ـ وَللأرْبَعَة عَنْهُ إلاّ النّسَائِيّ: أَنّ النبِيّ صلّى الله عليه وسلّم مَسَحَ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
60/ 3 ـ عَنْ عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ: لَوْ كَانَ الدّينُ بِالرّأْيِ لَكانَ أَسْفَلُ الْخُفّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفّيْهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإسْنَادٍ حَسَنٍ.
شرح ألفاظه:
¥