تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المسلك الثالث: مسلك الجمع بين الحديثين، وهو مسلك جيد؛ لأن فيه عملاً بكلا الدليلين، وهؤلاء اختلفوا على قولين:

الأول: أن مس الذكر يستحب منه الوضوء مطلقاً عملاً بحديث بسرة، ولا يجب عملاً بحديث طلق بن علي.

الثاني: أنه إن كان المس بشهوة وجب الوضوء لحديث بسرة، وإن كان لغير شهوة لم يجب لحديث طلق، ويؤيد ذلك أنه قال في حديث طلق: «هل هو إلا بضعة منك»، فإن هذا يقتضي أن الحكم في مس الذكر كالحكم في مس سائر الأعضاء الذي لا يقارن مسه شهوة، فإن مسه مساً يخرج به عن مس نظائره من بقية الجسد وهو ما كان بشهوة وجب عليه الوضوء. والله تعالى أعلم.

بيان شيء من نواقض الوضوء

74/ 8 ـ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ، أَوْ قَلْسٌ، أَوْ مَذْيٌ فلينصرف فَلْيَتَوَضّأْ، ثُمّ لِيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ، وَهُوَ فِي ذلِكَ لاَ يَتكلّم». أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَضَعّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.

قولنا: (بيان شيء من نواقض الوضوء) هي: القيء، والرعاف، والقَلْسُ، والمذي، والظاهر أن هذا هو غرض الحافظ من إيراد هذا الحديث هنا.

شرح ألفاظه:

قوله: (من أصابه قيء) القيء: بالهمزة، إلقاء ما أكل أو شرب، أو هو ما قذفته المعدة عن طريق الفم.

قوله: (أو رعاف) بضم الراء وهو خروج الدم من الأنف.

قوله: (وليبن على صلاته) أي: أو ليحسب ما كان قد صلى قبل الوضوء من ركعة أو أكثر، ويصلي ما كان باقياً.

قوله: (وهو في ذلك لا يتكلم) أي: في حال انصرافه ووضوئه.

المسائل::

الحديث دليل على أن الخارج النجس من غير السبيلين كالقيء، والقَلَسِ، والرعاف أنه ناقض للوضوء، وأحمد، لأنه خارج نجس، وكل خارج نجس من البدن فهو ناقض عندهم.

والقول الثاني: أن الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، وأن من قاء أو رَعَفَ فإن طهارته باقية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ عبد العزيز بن باز.

واستدلوا بما يلي:

1 ـ حديث جابر رضي الله عنه في قصة عَبَّاد بن بشر في غزوة ذات الرقاع عندما أصيب بسهام وهو يصلي وخرج منه دماء كثيرة واستمر في صلاته، قالوا: ويبعد أن لا يطلع النبي صلّى الله عليه وسلّم على مثل هذه الواقعة العظيمة، ولم ينقل أنه أنكر أو أخبره بأن صلاته بطلت.

2 ـ وجوب البقاء على البراءة الأصلية، فلا يحكم بالنقض حتى يثبت الشرع، ولا يصار إلى أن الدم أو القيء ناقض إلا لدليل ناهض، والقياس ممتنع في هذا الباب؛ لأن علة النقض غير معقولة، وهي مختلفة.

والراجح ـ والله أعلم ـ أن الرعاف والقيء والقَلَسَ لا تنقض الوضوء، لعدم وجود أدلة واضحة تدل على ذلك، فيبقى الأصل وهو عدم النقض إلا بدليل شرعي، ولأن الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي، فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي.

الحديث دليل على أن من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي وهو في الصلاة أنه ينصرف ثم يتوضأ ويبني على صلاته، وشَرْطُ ذلك ألا يتكلم، لقوله في اخر الحديث: (وهو في ذلك لا يتكلم) ولكن الحديث ضعيف كما تقدم، والصواب أن الحدث كالمذي والريح ونحوها تفسد الصلاة.

حكم لحم الإبل والغنم من حيث النقض وعدمه

75/ 9 ـ عَنْ جَابِر بن سَمُرَةَ رضي الله عنهما أَنّ رَجُلاً سَأَلَ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم: أَتَوَضّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ» قَالَ: أَتَوَضّأُ مِنْ لُحُومِ الإبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ». أَخْرَجَهُ مُسْلمٌ.

المسائل:

الحديث دليل على أن الوضوء من لحم الغنم لا يجب، وإنما يباح لقوله: «إن شئت» لأنه غير ناقض للوضوء، ويكون هذا الوضوء بهذا الاعتبار تجديداً للوضوء السابق، فيستدل به على جواز ذلك.

الحديث دليل على وجوب الوضوء من لحم الإبل؛ لقوله: «نعم» لأنه ناقض للوضوء، وهذا مذهب الإمام أحمد.

وقال الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة: لحم الإبل لا ينقض الوضوء، واستدلوا بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان اخر الأمرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترك الوضوء مما غيرت النار) وفي لفظ: (مما مسَّت النار).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير