ووجه الدلالة: أن قوله: (مما مست النار) عام فيدخل فيه لحم الإبل؛ لأنه من أفراد ما مسته النار، بدليل أنه لا يؤكل نيئاً، بل يؤكل مطبوخاً، فلما نُسخ الوضوء مما مسته النار نُسخ الوضوء من أكل لحوم الإبل أيضاً.
والقول الأول هو الراجح في هذه المسألة؛ لأن حديث الباب نص في الموضوع.
وقد اختلف العلماء هل نقض الوضوء خاص باللحم، أو شامل لجميع أجزاء الإبل من الهبر ـ وهو قطع اللحم ـ أو الكرش أو الكبد أو الكلية أو الأمعاء وما أشبه ذلك، على قولين:
الأول: أنه شامل لجميع أجزاء الإبل، وهذا وجه في المذهب عند الحنابلة، واختاره ابن سعدي، ودليل ذلك ما يلي:
1 ـ أن لفظ اللحم في الشرع يشمل جميع أجزاء الحيوان، بدليل قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}} [المائدة: 3]، ولحم الخنزير شامل لكل ما حواه الجلد، بل الجلد كذلك، وكون بعض الأجزاء له اسم خاص لا يدلّ على خروجه عن حكم اللحم
2 ـ أنه ليس في الشريعة الإسلامية حيوان تتبعض الأحكام في أجزائه، فيكون بعضها حلالاًوبعضها حراماً، وإنما الحيوان إما حرام كله كالخنزير، وإما حلال كله كبهيمة الأنعام.
القول الثاني: أنه لا ينقض إلا اللحم فقط، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، واختاره الشيخ محمد بن إبراهيم، واستدلوا بأن النص ورد في اللحم، وغير اللحم مما ذكر لا يتناوله النص.
قالوا: ولا يستدل باية {{وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}} لأن لحم الخنزير حُرّمَ لنجاسته وخبثه، وأجزاء الخنزير كلها نجسة ليس فيها شيء طاهر، بخلاف لحم الإبل فلا شيء فيه نجس، والأحوط هو القول الأول؛ لما تقدم، والله أعلم.
حكم الغُسل من غَسْل الميت والوضوءِ من حمله
76/ 10 ـ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ غَسّلَ مَيْتاً فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضّأْ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنّسَائِيُّ، وَالتّرْمِذِيُّ وَحَسّنَهُ.
المسائل::
الحديث دليل على وجوب الغسل على من غَسّلَ ميتاً، وعموم لفظ الحديث يفيد عموم الأموات من كبير وصغير وذكر وأنثى.
وذهب أكثر أهل العلم، وأحمد إلى أن الغسل من غسل الميت مستحب وليس بواجب، وذلك لأن الحديث لا ينهض على الإيجاب.
ذكر العلامة ابن مفلح الحنبلي قاعدة جيدة ومفادها: أن الحديث إذا كان فيه ضعف، وكان دالاًّ على الوجوب بصيغته، أو دالاًّ على التحريم، فإنه يحمل على الاستحباب في الأمر، وعلى الكراهة في النهي احتياطاً، ولا يُلزَم المسلمون بحكمه وجوباً أو تحريماً.
ولا يجب الوضوء من غسل الميت في أظهر قولي العلماء؛ لأن الوجوب يحتاج إلى دليل.
وأيد الشيخ عبد العزيز بن باز القول بأنه لا يستحب الوضوء من حمل الميت؛ لأن ذلك يحتاج إلى دليل، فإن توضأ فهو من باب تجديد الوضوء، والله أعلم.
اشتراط الطهارة لمسِّ القرآن
77/ 11 ـ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رحمه الله أَنّ في الْكِتَابِ الّذِي كَتَبهُ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: (أَلاَّ يَمَسَّ الْقُرْانَ إلاّ طَاهِرٌ). رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسلاً، وَوَصَلَهُ النّسَائِيّ، وَابْنُ حِبّانَ، وَهُوَ مَعْلولٌ.
شرح ألفاظه:
قوله: (ألاَّ يمس) تقدم أن المس معناه: الإفضاء إلى الشيء باليد من غير حائل.
قوله: (القران) المراد به نفس الحروف المكتوبة دون البياض الذي في الجوانب، ويراد به المصحف، فيشمل الحروف والحواشي، سمي بذلك لكتابته في الصحف
المسائل:
الحديث دليل على تحريم مس المصحف إلا على طهارة، وهذا قول الجمهور من أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومنهم الأئمة الأربعة.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن تحريم مس المصحف للمحدث ثابت عن الصحابة، وقال: (إنه قول سلمان الفارسي، وعبد الله بن عمر، وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف).
الصحيح من قولي أهل العلم أنه يحرم مس المصحف سواء مس نفس الكتابة أم الجوانب أم الجلد، وذلك لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، والله تعالى أعلم.
الذِّكر لا يشترط له الوضوء
78/ 12 ـ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلّ أَحْيَانِهِ. رَوَاهُ مُسْلمٌ، وَعَلّقَهُ الْبُخَارِيّ.
شرح ألفاظه:
¥