تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الطبري رحمه الله: (فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليك بالسواد الأعظم "، ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ") (تفسير القرطبي 14/ 56). وقد كان لفظ الكراهة يستخدم لمعنى الحرمة في القرون المتقدمة ثم غلب عليه معنى التنزيه، ويحمل هذا على التحريم لقوله: والمنع منه، فإنه لا يمنع عن أمر غير محرم، ولذكره الحديثين وفيهما الزجر الشديد، والقرطبي رحمه الله هو الذي نقل هذا الأثر، وهو القائل بعد هذا: (قال ابو الفرج وقال القفال من أصحابنا: لا تقبل شهادة المغني والرقاص، قلت: وإذا ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز)، قال الشيخ الفوزان حفظه الله: (ما أباحه ابراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود .. فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو غاية في الانحطاط ومنتى الرذالة) الإعلام.

وقال ابن تيمية رحمه الله: (لا يجوز صنع آلات الملاهي) (المجموع 22/ 140)، وقال رحمه الله: (آلات الملاهي، مثل الطنبور، يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء، وهو مذهب مالك وأشهر الروايتين عند أحمد) (المجموع 28/ 113)، وقال: (الوجه السادس: أنه ذكر ابن المنذر اتفاق العلماء على المنع من إجارة الغناء والنوح فقال: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية، كره ذلك الشعبي والنخعي ومالك وقال أبو ثور والنعمان - أبو حنيفة رحمه الله - ويعقوب ومحمد - تلميذي أبي حنيفة رحمهم الله -: لا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح وبه نقول) وقال: (والمعازف خمر النفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس) (مجموع الفتاوى 10/ 417).

وأخرج ابن أبي شيبة رحمه الله: أن رجلا كسر طنبورا لرجل، فخاصمه إلى شريح فلم يضمنه شيئا - أي لم يوجب عليه القيمة لأنه محرم لا قيمة له -. (المصنف 5/ 395).

وأفتى البغوي رحمه الله بتحريم بيع جميع آلات اللهو والباطل مثل الطنبور والمزمار والمعازف كلها، ثم قال: (فإذا طمست الصور، وغيرت آلات اللهو عن حالتها، فيجوز بيع جواهرها وأصولها، فضة كانت أو حديد أو خشبا أو غيرها) (شرح السنة 8/ 28)

استثناء حق

ويستثنى من ذلك الدف - بغير خلخال - في الأعياد والنكاح للنساء، وقد دلت عليه الأدلة الصحيحة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد على عهده يضرب بدف ولا يصفق بكف، بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال: " التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء "، ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا، ويسمون الرجال المغنين مخانيث - ما أكثرهم في هذا الزمان - وهذا مشهور في كلامهم، ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان - أي صغيرتان - تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث - ولعل العاقل يدرك ما يقوله الناس في الحرب - فقال أبو بكر رضي الله عنه: " أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكان رسول الله معرضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط - ولذلك قال بعض العلماء أن أبا بكر رضي الله عنه ما كان ليزجر احدا أو ينكر عليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منتبه لما يحصل والله أعلم - فقال: " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا أهل الإسلام " ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان - فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر هذه التسمية ولم يبطلها حيث أنه قال " دعهما فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا "، فأشار ذلك أن السبب في إباحته هو كون الوقت عيدا، فيفهم من ذلك أن التحريم باق في غير العيد إلا ما استثني من عرس في أحاديث أخرى، وقد فصل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير