ثمَّ أحسُّ بالنَّدم؛ لأنَّني أحسُّ أنَّني شخص عاق، فما الحلُّ؟
أفيدوني وانصحوني؛ فأنا في حيرة من أمري، وكيف أتعامل مع هذه المشكلة الَّتي كدَّرت حياتي؟
مع العلم أنِّي الآن لستُ في ذلك البيت، فأنا تزوَّجت وخارج البيت، وأمي تتمنَّى ألاَّ آتي إلى منزِلِها، مع العلم أنَّني لستُ في المدينة الَّتي هم فيها الآن، وأجلس بالشهور أحيانًا حتَّى لا أتناقش معها، فكلّ مرَّة آتي أرى الجديد ممَّا يسوء أيَّ مسلم غيور على عرضه - ولا حول ولا قوَّة إلا بالله - فلا أستطيع أن أسكت، ثمَّ إذا تكلَّمت أوَّل كلِمة تُقابِلُني: ليس لك دخل، ليْتك لَم تأتِ، أنت لا تأْتِي إلاَّ والمشاكل معك، أعفنا من كلامك، وهلم جرًّا.
ثم يبدأ تصاعُد الكلام فتكبر المشكلة، وهذا ما لا أريده، والحمد لله على كل حال.
الجواب:
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته.
حيَّاك الله أخي الفاضل في الألوكة، وعذرًا لتأخُّري في الرَّدِّ؛ وذلك لظروف خارجة عن قدرتي.
بدايةً: لا أخفيك تعجُّبي من التَّناقض بين أمِّك وأبيك، ومن تناقض والدِك نفسه، فهو علَّمك من صغرك: "أنَّ الَّذي لا يغار على أهلِه ديوث، وأنَّ الَّذي يرى على أهله خللاً ولا يتدخَّل لإصلاحه فليس فيه خير"، ثم تقول: إنَّه حين طلبتْ منك أختك أن تذهب بِهن إلى النَّادي الليلي، "فما كان من أبي إلاَّ أن اتَّصل بي وهو يترجَّاني أن أذهب بهن، وأن أكْفِيه شرَّهن، وأن أرْحَمه وهو في هذا العمر"، ثم يقول: "لو فيه إبليس اذهب بهن"!
فكيف يسكت على هذا الأمر؟!
بل ويطلب منك الذَّهاب بهن، وهو الذي علَّمك أنَّ مَن يسكت ولا يتدخَّل لا خير فيه!
أخي الكريم، ما حدث قد حدث، والمشكلة بيْنك وبين والدتِك وأخواتك قد حدثت، لكن المهمُّ الآن هو: كيف تصلِح الخلل دون أن تَخسر أخواتِك ووالدتَك؟
لأنَّ القطيعة لا تجوز؛ فقد أخرج البُخاري ومسلم في الصَّحيحين من حديث أبي أيُّوب الأنصاري - رضِي الله عنهما -: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يحل لامرئ يؤمِن بالله واليوم الآخر أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلْتقيان فيعرض هذا ويُعْرض هذا، وخيرُهُما الَّذي يبدأ بالسَّلام)).
وأنت تقول: إنَّ أخواتِك قاطعْنك نهائيًّا، وعلاقتك بوالدتك متوتِّرة؛ لأنَّها ترى أنَّك تكرهها وتكره أخواتك؛ لذلك عليك أن تتبع قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
نصيحتي لك - أخي الفاضل -: أنَّ أوَّل شيء عليك أن تفعله هو إعادة بناء العلاقة مع والدتك وأخواتك؛ لأنَّك - كما قلت - في بلد بعيدة عنهم، وكلَّما تأتي وترى ما لايسرّك وتتكلَّم، تدعو أمك عليك، وتقول لك: إنك تأتي بالمشاكل، وهذا يَجعلهن يضعن حاجزًا كبيرًا أمام كلِّ كلمة تقولها؛ لأنَّهن لا يريْنَك إلاَّ وأنت تحمل معك اعتراضًا أو نصيحة؛ لذلك حاول أن تكسب قلوبهنَّ وتستعيد حبَّهنَّ ومودَّتهنَّ لك؛ لأنَّ الحبَّ يصنع المعجزات.
اتَّصل عليهنَّ دائمًا واطمئنَّ على والدتِك وأخواتِك، وأخبرهنَّ بأنَّك مشتاق لهنَّ، وحين تأْتِي لزيارتهنَّ فلا تُسارع بالتَّعليق على أي تصرُّف خاطئ تراه منهنَّ، مهْما كان؛ لأنَّ الهدف ليس التَّنبيه للخطأ؛ بل الهدف أن تقنعهنَّ بترك الخطأ، ولن تستطيع إقناعهنَّ إذا كانت الأمور بينكم سيِّئة، شارِكْهُن اهتماماتهنَّ واستشرهنَّ في أمورك؛ ليشعرن بأنَّهنَّ مهمَّات لديْك، وأنَّ آراءهنَّ تهمُّك، مازحهنَّ، فاجئهنَّ بما يحببْنه من هدايا أو غيره، وأثنِ عليهنَّ وعلى ما يصدر منهنَّ من أفعال جيِّدة؛ ولكن في نفس الوقت كن قُدْوة حسنة لهن دون أن تتكلَّم، في أفعالك وأخلاقك وتصرُّفاتك كلها، وعندما تشعر بأنَّ العلاقة تحسَّنت وتوطَّدت بينكم، لا تبدأ في إعطاء الأوامر، لكِنْ أعلمهنَّ بوجود خلل أو خطأ بطريقة ذكيَّة غير مباشرة: برنامج في التلفاز يتحدَّث عن هذا الموضوع تفتحه وتترك الصَّوت مرتفعًا قليلاً؛ لكي يصل لمسامعهنَّ، عبارة جميلة ورقيقة تضعها في رسالتك الشَّخصية في المرْسال (الماسنجر)، إن كنت تستخْدِمه، أو رسالة بريد إلكتروني ترسِلُها لهنَّ؛ ولكن احرص على أن ترسلها لكثيرين غيرهنَّ، ولا تخفِ عناوينهم حتَّى لا يشعرن بأنَّك تقصدهنَّ وحدهنَّ؛ بل أنت أرسلتها لجميع
¥