تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لنا مع كلامك الذي سطرته آنفاً وقفات، نرجو تأملها، والتفكر بها:

1. ما كان ينبغي لك الاعتراض على رحمة الله، وفضله، وكرمه، وأنت أحوج ما تكون لذلك؛ لأنه لا بدَّ أن يقع منك تقصير في حق الله، ما تحتاج معه لرحمة ربك تعالى، واعلم أن ما تقدمه من أعمال لا يؤهلك لدخول الجنة به، ولا يدخل أحدٌ الجنَّة – حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم – إلا برحمته عز وجل.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ. قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ). رواه البخاري (6098).

2. اعلم أن مقارنتك المذكورة ليست أكثر من مغالطة، أو وسوسة لفظية من وسوسات الشيطان؛ فالله جل جلاله لا يغفر للكافر حين كفره: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء/48.

وإنما يغفر الله تعالى للكافر إذا أسلم وآمن، يعني: أنه حين كفره قد صار مسلماً، تائباً من أعمال الجاهلية والكفر، قد بدأ صفحة جديدة مع ربه، وعفا الله له عما سلف، لأجل إسلامه؛ فأنت توازن في حقيقة الأمر بين مسلم تاب من ذنب سابق، ومسلم آخر مقيم على ذنب في الحاضر!!

3. اعلم أن فضل الله تعالى على الناس عظيم، فهو يغفر الذنب مهما عظم، ويقبل التوب من التائب، بل ويفرح بتوبة عبده - مع استغنائه عز وجل عن جميع خلقه -، ليس هذا فحسب، بل ويبدل سيئاته حسنات! ولا فرق في هذا بين كافر أسلم، وبين عاصٍ تاب.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/ 68 – 70.

ومما لا شك فيه أن أمر التوبة من المعصية أهون من إسلام الكافر، فأنت تتقلب في نعم الله تعالى، والتوفيق للتوبة والاستغفار توجد له أسبابه الكثيرة وأنت في دائرة الإسلام، وأنَّى يكون مثل هذا لكافر يحتاج أولاً أن يتخلى عن دينه، ثم يدخل في الإسلام؟! ولعظم أمر التخلي عن التدين بغير الإسلام، وعظم التخلي عن المعصية: وعد الله تعالى جميع هؤلاء بمغفرة ذنوبهم، وإبدالها حسنات إن هم فعلوا الصواب، فأسلم الكافر، وتاب العاصي، وهذا من عظيم فضل الله تعالى ورحمته.

فاعتراضك على أن الله يسألك عن ذنوبك، ولا يسأل الكافر إذا أسلم: في غير محله؛ لأنه جاء بما يمحو ذنوبه كلها، فبماذا جئت أنت؟ وما هو مطلوب منك أنت أيسر مما هو مطلوب منه، فمن يقال له: دع دينك الذي أنت عليه: يُغفر لك ذنبك: أتساويه بمن يقال له من المسلمين: تب من معصيتك: يُغفر لك ذنبك؟! فمن جاء بما يمحو به ذنبه من إسلام، أو هجرة، أو توبة، أو حد يقام عليه: غفر له ذنبه، ومن لم يأت من ذلك بشيء فهو إلى الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبه، إلا أن يلقى الله تعالى بالكفر، فمثله لا يغفر الله له.

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء/ 48.

وهذا وجه آخر في الرد على كلامك: وهو أن لقاء المسلم ربه بذنوبه لا يعني الجزم بتعذيبه عليها، بل قد يغفرها الله له، بخلاف الكافر فإنه محروم من المغفرة حرماناً أبدياً، ومخلد في النار أبد الآبدين، إذا لم يتب من شركه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير