تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المفاليس وأصحاب الجوائح: توبة غير معتبرة ولا يحمدون عليها وبل يسمونها توبة إفلاس وتوبة جائحة قال الشاعر: ورحت عن توبة سائلا وجدتها توبة إفلاس قالوا: ويدل على هذا أيضا: أن النصوص المتضافرة المتظاهرة قد دلت على أن التوبة عند المعاينة لا تنفع لأنها توبة ضرورة لا اختيار قال تعالى: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال: إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما النساء: 1718 و الجهالة ههنا: جهالة العمل وإن كان عالما بالتحريم قال قتادة: أجمع أصحاب رسول الله على أن كل ما عصي الله به فهو جهالة عمدا كان أو لم يكن وكل من عصى الله فهو جاهل وأما التوبة من قريب: فجمهور المفسرين: على أنها التوبة قبل المعاينة قال عكرمة: قبل الموت وقال الضحاك: قبل معاينة ملك الموت وقال السدى والكلبى: أن يتوب فى صحته قبل مرض موته وفي المسند وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وفى نسخة دراج أبى الهيثم عن أبي سعيد مرفوعا: إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب عز و جل: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني

فهذا شأن التائب من قريب وأما إذا وقع في السياق فقال: إني تبت الآن لم تقبل توبته وذلك لأنها توبة اضطرار لا اختيار فهي كالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها ويوم القيامة وعند معاينة بأس الله قالوا: ولأن حقيقة التوبة: هي كف النفس عن الفعل الذى هو متعلق النهي والكف إنما يكون عن أمر مقدور وأما المحال: فلا يعقل كف النفس عنه ولأن التوبة هى الإقلاع عن الذنب وهذا لا يتصور منه الإيقاع حتى يتأتى منه الإقلاع قالوا: ولأن الذنب عزم جازم على فعل المحرم يقترن به فعله المقدور والتوبة منه: عزم جازم على ترك المقدور يقترن به الترك والعزم على غير المقدور محال والترك في حق هذا ضروري لا عزم غير مقدور بل هو بمنزلة ترك الطيران إلى السماء وتقل الجبال وغير ذلك والقول الثاني وهو الصواب أن توبته صحيحة ممكنة بل واقعة فإن أركان التوبة مجتمعة فيه والمقدور له منها الندم وفي المسند مرفوعا الندم توبة فإذا تحقق ندمه على الذنب ولومه نفسه عليه فهذه توبة وكيف يصح أن تسلب التوبة عنه مع شدة ندمه ندمه على الذنب ولومه نفسه عليه ولا سيما ما يتبع ذلك من بكائه وحزنه وخوفه وعزمه الجازم ونيته أنه لو كان صحيحا والفعل مقدورا له لما فعله وإذا كان الشارع قد نزل العاجز عن الطاعة منزلة الفاعل لها إذا صحت نيته كقوله في الحديث الصحيح: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما وفي الصحيح أيضا عنه: إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا: وهم بالمدينة قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر وله نظائر في الحديث فتنزيل العاجز عن المعصية التارك لها قهرا مع نيته تركها اختيارا لو أمكنه منزلة التارك المختار أولى

يوضحه: أن مفسدة الذنب التى يترتب عليها الوعيد تنشأ من العزم عليه تارة ومن فعله تارة ومنشأ المفسدة معدوم في حق هذا العاجز فعلا وعزما والعقوبة تابعة للمفسدة وأيضا فإن هذا تعذر منه الفعل ما تتعذر منه التمني والوداد فإذا كان يتمنى ويود لو واقع الذنب ومن نيته: أنه لو كان سليما لباشره فتوبته: بالإقلاع عن هذا الوداد والتمني والحزن على فوته فإن الإصرار متصور في حقه قطعا فيتصور في حقه ضده وهو التوبة بل هي أولى بالإمكان والتصور من الإصرار وهذا واضح والفرق بين هذا وبين المعاين ومن ورد القيامة: أن التكليف قد انقطع بالمعاينة وورود القيامة والتوبة إنما تكون في زمن التكليف وهذا العاجز لم ينقطع عنه التكليف فالأوامر والنواهي لازمة له والكف متصور منه عن التمني والوداد والأسف على فوته وتبديل ذلك بالندم والحزن على فعله والله أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير