تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم ينكر في فعل جبلي كالصعود إلى الغار، بل الوارد عن ابنه عبدالله بن عمر تتبع آثار رسول الله في أفعاله الجبلية ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك، جاء في صحيح ابن حبان ج15/ص551عن نافع قال كان ابن عمر يتتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل فيه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فكان ابن عمر يجيء بالماء فيصبه في أصل السمرة كي لا تيبس·

الترجيح

فإذا كان لكلا القولين ما يعضده فأيهما هو الراجح؟

أما كون الصعود إلى الجبلين ذريعة للابتداع والتبرك بما لم يشرع كونه محلاً للبركة، فهذا فيما يبدو لي من الأمور التي أثبت التاريخ والواقع تحققها، وإثبات ذلك أمر لا يعسر·

فأما من جهة التاريخ، فإنه لم يوجد أثر من الآثار الدينية في جميع أنحاء العالم الإسلامي إلا ووقع في تمكين الناس منه من البدع والخرافات ما لا يخفى على ذي عينين، بل إن من الآثار التي وقع الناس في الابتداع فيها آثار مزعومة ليس لها أصل معروف ككثير من المقامات المنتشرة في ديار المسلمين·

أما الواقع: فإن هذين الجبلين لم يعودا ذريعة للابتداع، بل إن الابتداع أصبح أمراً واقعاً لديهما، فلو سألت الصاعدين اليوم من الحجيج والمعتمرين إلى هذا الجبل عن الغرض من صعودهم لتبين لك أن السواد الأعظم منهم يعتقدون أن للصلاة والدعاء من الفضل ورجاء الإجابة عند الغارين ما ليس لهما عند سواهما من الأماكن، حتى إنك لترى الشيوخ الطاعنين والعجائز الهرمات يتكلفون للصعود إليهما ما لا يتكلفون للعبادات المشروعة·

لكن المنع من الصعود إليهما ليس مجدياً في درء هذه المفسدة، بل أزعم أن تجارب المنع أو التضييق على الصاعدين أثمرت مفاسد كثيرة، منها:

1 - نقمة كثير من الناس على المنهج السلفي دون وعي منهم أو علم بغاياته وعقائده مما يجعلهم يتوهمون أنه السبب في الحيلولة بينهم وبين الوقوف على آثار نبيهم صلى الله عليه وسلم·

وللأسف لا تجد هذه الأسئلة والشبه التي تتوارد على المسلمين عند المنع أو التضييق جواباً قوياً بقدر ما تجد هذه الشبه دعماً من جهات علمية ذات مواقف سيئة من المنهج السلفي·

2 - سقوط عدد من الزائرين جراء المشقة التي يعانونها عند صعودهم عبر الطريق غير المهيأة والتي أوصت اللجنة الدائمة بعدم تغييرها، ولا شك أن درء هذا الخطر عن الناس من أعظم المصالح التي ينبغي جلبها حتى لو خالفناهم في حكم الصعود إلى هذين الغارين·

3 - استغلال كثير من الجهلة الوضع المهمل لدى هذين الغارين في التسويق لمزيد من البدع أو استغلال الزائرين مادياً بشتى صنوف الاستغلال الممكنة·

إذاً فالمفاسد التي تحدث من الصعود إلى هذين الغارين لا يمكن أن يكون المنع أو الحكم بالتحريم وسيلة لدرئها·

مقترحات تحقق المصالح وتمنع المفاسد

وبما أن المطلوب هو درء المفسدة لا غير فإن بإمكاننا أن نجد وسيلة نحقق بها درء المفسدة ولا يترتب عليها هي أيضاً مفاسد كما هو حاصل مع المنع·

بل يمكننا أن نجد وسيلة تحقق يتحقق منها مصالح عظيمة إضافة إلى ما ينتج عنها من إلغاء المفاسد·

هذه الوسيلة هي تنظيم الصعود إلى هذين الغارين والعناية بالصاعدين قبل صعودهم وبعده توعوياً وجسدياً·

وذلك بإنشاء نقاط للصعود يتم ترتيب الناس وتوعيتهم بمختلف لغاتهم وتنبيههم إلى مكانة هذين الجبلين الحقيقية وأنها لا تعدو أن تكون مكانة تاريخية ولا يجوز اختصاصها بشيء من العبادة·

كما يتم من خلال هذه النقاط مراقبة تصرفات الزائرين وإيقاف من أراد ممارسة أي نوع من البدع بطريقة لائقة بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة· وبذلك نكون قد أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر ودرأنا المفسدة، وحققنا عدداً من المصالح·

منها:

1 - التوعية إلى حقيقة المنهج السلفي وحقيقة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن ما يحصل لدى المسلم من الرقة عند مشاهدة آثار النبي الكريم يمكن استغلالها في إقباله على النصح بالالتزام بسنة الرسول التي تنهى عن الزيادة في الدين والقول على الله بغير علم· وهذا هو خلاصة منهج السلف الذي ننتسب إليه·

2 - الرد العملي على ما يقال عن السلفية أنها دعوة مناهضة لمحبة الرسول واتباع آثاره كما أنها دعوة تحجر على حرية الناس في اختيار ما يشاهدون·

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير