وروى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة أما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو.
كما روى البخاري عن الرُّبيِّع بنت مُعوَّذ رضي الله عنه أنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم غداة بُني عليّ، وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين.
وهذا إنما كان في عرس الرُّبيِّع بنت مُعوَّذ رضي الله عنها.
وكان عمر رضي الله عنه إذا استمع صوتا أنكره وسأل عنه، فإن قيل عرس أو ختان أقرّه. رواه معمر بن راشد في كتاب الجامع وابن أبي شيبة.
وفي رواية للبيهقي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا سمع صوتا أو دُفّاً قال: ما هذا؟ فإن قالوا: عرس أو ختان صمت.
ففسّرت رواية البيهقي الصوت الذي يُنكره عمر رضي الله عنه، وأنه صوت الدفّ.
وعن عامر بن سعد قال: دخلت على ابن مسعود وقرظة بن كعب وعندهما جوارٍ تغنين فقلت: أتفعلون هذا وأنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقال: إنه رُخِّص لنا في اللهو عند العرس. رواه النسائي وابن أبي شيبة والحاكم.
وعن عمرو بن ربيعة أنه قال كنت مع ثابت بن وديعة وقرظة بن كعب في عرس فسمعت صوت غناء، فقلت: ألا تسمعان؟ فقال: إنه قد رخص لنا في الغناء عند العرس والبكاء على الميت من غير نياحة. رواه ابن أبي شيبة والحاكم في المستدرك.
وعن إبراهيم النخعي أنه قال كان أصحاب عبد الله – أي ابن مسعود – يستقبلون الجواري في الأزفة معهن الدف فيشقونها. رواه ابن أبي شيبة.
قال ابن حجر في الفتح: قوله: (باب ضرب الدف في النكاح والوليمة) يجوز في الدف ضم الدال وفتحها، وقوله: (والوليمة) معطوف على النكاح أي ضرب الدف في الوليمة، وهو من العام بعد الخاص ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة، وأن ضرب الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلا وعند الوليمة كذلك.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: قال - أي الإمام مالك -: وضرب الدفّ في العرس لا بأس به، وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو حنيفة: إذا حضر الوليمة فوجد فيها لعبا فلا بأس أن يقعد ويأكل. وقال هشام الداري عن محمد بن الحسن: إن كان الرجل ممن يُقتدى به فأحب إليّ أن يخرج. وقال الليث بن سعد: إن كان فيها الضرب بالعود واللهو فلا يشهدها. قال أبو عمر - أي ابن عبد البر -: الأصل في هذا الباب ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال خبرنا سعيد بن جمهان قال حدثنا سفينة أبو عبد الرحمن أن رجلا أضافه علي بن أبي طالب فصنع له طعاما فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا، فدعوه فجاءه فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما في ناحية البيت فرجع، فقالت: فاطمة لِعَلِيّ: الحقه، فقال له: ما رجعك يا رسول الله؟ فقال: إنه ليس لي أن أدخل بيتا مزوّقا. كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كَرِهَ دخول بيت فيه تصاوير، ولتقدم نهيه وقوله: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو تماثيل. وكذلك كل منكر إذا كان في البيت فلا ينبغي دخوله، والله أعلم لرجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام دُعِيَ إليه لما رأى في البيت مما ينكره وما تقدم نهيه عنه
وقال: قال أهل اللغة: طعام الوليمة هو طعام العرس والإملاك خاصة.
فأنت ترى – حفظك الله – أن الصحابة ما فهموا الإذن في ضرب الدف في غير النكاح والختان
وقد تقدّم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّصَ في اللهو عند العرس.
فتعبير الصحابة بـ (رخّص) يُشعر بأن الأمر قبل الترخيص محظور – أي محرّم – كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكّةٍ كانت بهما.
وفي رواية: أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني القمل فأرخص لهما في الحرير.
والرُّخصة هنا إنما تكون بعد التحريم، وليست أمراً مباحاً.
¥