نستنتج مما سبق أن قرص القمر يجب أن يكون على ارتفاع مناسب عن الأفق الغربي، وأن يبتعد مسافة كافية عن قرص الشمس حتى تزداد نسبة إضاءته، ولكي يبتعد عن وهج الشمس وبالتالي يزداد سطوعه.
وإذا حدث الاقتران قبل غروب الشمس وغرب القمر بعد غروب الشمس، ولكنه لا يمكن رؤية الهلال لأحد الأسباب الثلاثة سالفة الذكر؛ فإن رؤية الهلال تسمى "غير ممكنة".
اختلاف الدول الإسلامية .. وأسبابه
وتختلف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية للأسباب التالية:
1 - تدعو بعض الدول الإسلامية المواطنين لتحري الهلال؛ فإذا جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته حتى لو دلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ وهو ما يحصل حاليّاً في العديد من الدول الإسلامية.
2 - في دول إسلامية أخرى ترد شهادة الشاهد إذا كانت رؤية الهلال مستحيلة ولكنها تقبلها حتى لو كانت غير ممكنة، ومثال ذلك المملكة العربية السعودية (ابتداء من عام 1419 هـ).
3 - وهناك دول إسلامية لا تعتمد رؤية الهلال أصلاً؛ بل تعتمد شروطاً فلكية معينة. ومثال ذلك ليبيا التي تعلن رسمياً أنها لا تعتمد رؤية الهلال؛ بل يبدأ الشهر الهجري في ليبيا إذا حدث الاقتران قبل الفجر.
4 - للأسف .. إن معظم الدول الإسلامية لا تتحرى الهلال على مستوى رسمي؛ بل تكتفي بدعوة المواطنين للتحري! فالدولة العربية الوحيدة التي تتحرى الهلال كل شهر (وليس فقط رمضان وشوال) بشكل رسمي وتعلن نتائج التحري رسمياً وبشكل فوري عبر وسائل الإعلام هي المملكة المغربية؛ فهي تتحرى الهلال من حوالي 270 موقعاً موزّعاً على مختلف أنحاء المملكة المغربية، وتشارك القوات المسلحة بعملية التحري أيضاً، وحسب اعتقادنا فإن المملكة المغربية هي أفضل دولة عربية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، وكذلك فإن نظام التحري في سلطنة عمان مشابه لذلك، ولكن يبقى النظام المغربي هو الأفضل.
وفي المقابل فإن معظم الدول الإسلامية تدعو المواطنين لتحري الهلال، وتقبل شهادة أي مواطن برؤية الهلال، مع العلم أن هذا الشاهد قد لا يكون على علم بوقت ومكان الهلال ولا حتى بشكله، فإذا ما شاهد أي جرم في السماء اعتقده الهلال. فعلى سبيل المثال صام ملايين المسلمين في السعودية عام 1984م 28 يوما فقط؛ لأن أحد الشهود رأى كوكبي عطارد والزهرة فاعتقدهما الهلال!
إن تحري الهلال بشكل جماعي قد يكون ضرورة لا مفر منها؛ فهو الطريقة الأمثل لتأكد الشاهد بأن ما يراه هو الهلال وليس شيئا آخر.
5 - تأخذ بعض الدول الإسلامية بمبدأ اتحاد المطالع؛ فإذا علمت أن إحدى الدول قد أعلنت ثبوت رؤية الهلال فإنها تتبعها فوراً حتى دون التأكد من صحة رؤية الهلال، ومثال ذلك الأردن.
وفي المقابل فإن بعض الدول الإسلامية تأخذ باختلاف المطالع، ولا تقبل رؤية الهلال إلا من داخل أراضيها، ومثال ذلك السعودية؛ فعند تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1420هـ أعلنت اليمن ثبوت رؤية الهلال يوم 07 - 12 - 1999م، وعليه كان يوم 08 - 12 - 1999م أول أيام شهر رمضان في اليمن. وقد ذكر البيان الرسمي اليمني أسماء ووظائف الأشخاص الذين شهدوا برؤية الهلال، وكان من بينهم أئمة مساجد، إلا أن السعودية أهملت بيان ثبوت رؤية الهلال من جارتها اليمن، وبدأت الصيام يوم 09 - 12 - 1999م.
ومثال ذلك أيضاً ما حدث في تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1424هـ؛ حيث أعلنت كل من اليمن والأردن وفلسطين ومصر ثبوت رؤية الهلال يوم 25 - 10 - 2003م، وعليه بدأت هذه الدول صيامها يوم 26 - 10 - 2003م، إلا أن السعودية أهملت جميع هذه البيانات الرسمية، وبدأت صيامها يوم 27 - 10 - 2003م.
التصورات الفقهية
ما سلف ذكره هو بعض من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى اختلاف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، ويعزى بعض هذه الأسباب إلى الاختلافات الفقهية لكل جهة؛ ففي كل عام يتكرر السؤال نفسه وهو: "هل نتبع الحسابات الفلكية أم رؤية الهلال؟ ". وقد نوقشت هذه المسألة من قبل العديد من الفقهاء وعلماء الفلك، ولكنها في أغلب الأحيان لم تناقَش بشكل واضح يبرز للقارئ بعض الحقائق الفلكية أو الفقهية المتعلقة برؤية الهلال. فقد رأى بعض الفقهاء جواز الاعتماد على الحسابات الفلكية، ولكن كان لكل فقيه تصور معين لهذا الجواز، ونلخص ذلك بالآتي:
¥