تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[المسيطير]ــــــــ[23 - 07 - 09, 07:39 م]ـ

وقد أمضى الجد والوالد ـ رحمهما الله ـ أكثر من ثلاثين عاماً في جمعه وترتيبه وطبعه. ولاقوا في جمعه من العناء والمشقة ما أحتسب أن يكون رفعة لهما وذخراً.

من ذلك المشقة والعنت في السفر والبحث عن المخطوطات، وترك الأهل والأبناء، مع قلة الزاد والرفيق، ثم في قراءة وفك خط شيخ الإسلام حيث إنه ـ قدس الله روحه ـ كان سريع الكتابة، وكان خطه في غاية التعليق والإغلاق وبعضها بدون نقط ولا تظهر حروفها، وقد أشكلت على تلميذه ابن الوردي فيدعو تلميذه أبا عبدالله ابن رُشيق المغربي لحله.

* وكانت رداءة خط شيخ الإسلام مدعاة إلى إهمال كتبه وعجز الكثير عن قراءتها وفك رموزها يقول ابن عبدالهادي: «كان كثيراً ما يقول: قد كتبت في كذا وكذا، ويُسأل عن الشيء فيقول: قد كتبتُ في هذا فلا يُدرَى أين هو؟ فيلتفت إلى أصحابه ويقول: رُدُّوا خطّي وأَظْهِروه لِيُنْقَلَ، فمن حرصهم عليه لا يردُّونه، ومن عجزهم لا ينقلونه، فيذهب، ولا يعرف اسمه».

* وكان لدى الوالد مجموعة من المخطوطات بخط شيخ الإسلام ـ رحمهما الله ـ منها قاعدة «في الاستحسان» ولم يستطع إدخالها في مجموع الفتاوى لاستغلاق خطها وصعوبة قراءته. وبعد حين حلها شيئاً فشيئاً حتى طبعها ضمن (المستدرك على مجموع الفتاوى).

* قال الوالد ـ رحمه الله ـ في بدايات الجمع: «عندما جمعنا بعض الفتاوى أخبر الأمير مساعد بن عبدالرحمن الملك فيصل فأستعد لطبعها، فما كان من الملك سعود إلا أن أرسل للوالد يطلبه في الناصرية ـ وكانت مقر حكمه ـ فقال ـ رحمه الله ـ: «عندكم محمد».

قال الوالد: فذهبت إلى الناصرية وقابلت: يوسف ياسين ـ وزيراً لدى الملك سعود ـ واتفقنا على طريقة التمويل والطبع، و لما استقرَّ الأمر أن تطبع في مطابع الرياض ذهبت للمطابع وقابلت مسئولها الشيخ حمد الجاسر ورفضت توقيع العقد معهم إلا بعد أن يتم توفير (حروف) جديدة للفتاوى (وكانت طريقة الصف تتم بتجميع الحروف مع بعضها ورصها). فرفض الشيخ حمد الجاسر، وقال الموجود من الحروف يكفي.

قال الوالد: «فلم أقبل بذلك، وانتهى الأمر إلى حل ذكرته له؛ وهو أن أذهب إلى ألمانيا لاستجلاب حروف خاصة بالفتاوى فوافق، وذهبت بنفسي إلى ألمانيا واشتريت الحروف؛ وما انتهت الفتاوى إلا والحروف قد تآكلت.

وطبعنا ثلاثين مجلداً، منها عشرين مجلداً في سنة واحدة، ثم لما حصل بين وزير المالية والمطابع إشكال. قال الأمير مساعد بن عبدالرحمن: تطبع في مكة.

قال الوالد ـ رحمه الله ـ: «هذا محمد».

فذهبت إلى مكة وأتممت الخمسة مجلدات هناك؛ من المجلد الثلاثين إلى المجلد الخامس والثلاثين».

* ومع هذا الجهد والعنت والمشقة فإن الجد والوالد ـ رحمهما الله ـ لم يأخذا مقابلاً مادياً ألبتة.

قال الوالد ـ رحمه الله ـ: «ولم نكن نأخذ أي مبالغ، بل كنت أعمل عملي مدرساً في المعهد العلمي بالرياض صباحاً، ثم في المساء في تصحيح الفتاوى دون أن أفرغ لها، وما كان يأتينا من أموال تذهب للصف والنسخ والتصوير والمقابلة وما شابهها.

حتى إن الشيخ محمد بن إبراهيم يعطينا المبالغ التي تقصر عن حجم العمل».

* وقد ذكر الشيخ يوسف المطلق أنه عمل ومعه بعض طلبة العلم على نسخ الفتاوى، وكانت الصفحة بمبلغ معلوم لمن استمر. كما عمل معهم الشيخ عبدالله بن جبرين والشيخ غيهب الغيهب والشيخ حماد الأنصاري وغيرهم في النسخ والمقابلة والتصحيح.

* قال الوالد ـ رحمه الله ـ في رحلته للجمع: «فرحت فرحاً عظيماً عندما وجدت مخطوطات الفتاوى، ولم أفرح في حياتي مثل ذلك الفرح».

* وكان الوالد ـ رحمه الله ـ حريصاً على أن تطبع الفتاوى طبعة جيدة توازي الدرر المنثورة في متونها، فبذل قصارى جهده لاختيار أحسن المطابع وأجودها، وسافر بنفسه إلى ألمانيا لشراء حروف الصف.

* وقال مرة عن تصحيح الفتاوى: «كنت أصحح، وإذا أخذني التعب استلقيت على فراشي وعندها أصحح إلى ثلاث ملازم» الملزمة (16صفحة).

* وعندما بدأ في عمل الفهارس وهي في مجلدين كبيرين، وتعتبر بحق أعظم موسوعة شاملة لهذا المجموع الضخم، قال الوالد: «لما تحدث بعض الناس عن طول مدة مكوثي في مكة وأن الفهارس طويلة لا لزوم لها.

أتيت إلى الرياض وذهبت إلى الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ وقرأت عليه بعضاً مما كنت أعمله، فسر بذلك وفرح، وقال لي: أكمل ما بدأت».

* ومن دقة الوالد ـ رحمه الله ـ في الفهرسة أنه قال في المستدرك ما نصه: «ثم بعد نهاية طبع الخمسة والثلاثين مجلداً وضعت لها فهرساً عاماً شاملاً مرتباً على حسب الفنون وعلى ترتيب أبوابها وفصولها وعباراتها في مجلدين ضخمين. فما لم يكن في هذين المجلدين فليس موجوداً في الخمسة والثلاثين».

* قال الوالد ـ رحمه الله ـ: «ولكثرة أبحاث الفتاوى كان الفهرس في مجلدين (1).

* ذكر أحد الأكاديميين المتخصصين في علم الفهرسة والمكتبات أن عمل الفهارس عظيم والجهد الذي بذل فيه كبير، ولا يظن أن يقوم به الآن رجل واحد. بل يحتاج إلى لجنة من العلماء تشمل جميع التخصصات العلمية لكي تتم فهرسته على نسق ما فعله الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير