[الرحلة العجيبة لأوروبا للتعرف والبحث عن التراث العربي ... بالصور العجيبة]
ـ[خضر بن سند]ــــــــ[26 - 07 - 09, 04:06 ص]ـ
رحلتي لأوروبا للبحث عن مخطوطات المسلمين في بلاد النصارى ....
الرحلة الأولى في بلاد (استريا) فيينا عاصمة النمسا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد .... :
ليس بين العرب والعجم إلا بحر صغير يجتازه المرء ليظهر له عالمٌ آخر , كل ماعليك أن تتجاوز البحر المتوسط لتصل لقلب أوروبا.
جئت اليوم إلى فيينا من بلد يميل إلى الجو الصحرواي والحرارة اللاهبة في الصيف , من الحجاز بعبقه وتاريخه وعظمته وجلالته , من الحجاز الذي يستقبل العالم الإسلامي ثرى كعبته الشريفة كل يوم , من الحجاز الذي يجري في شراييني عشقه وعشق ترابه وهوائه وأهله.
جئت إلى فيينا ليس لي طمع في ماء أو نهر أو جبل, وليس ذلك من كفر النعمة أو جحدها أو الاستكبار على عظمة الله , ولكن لأن نفسي قنعت أو قُنّعت إلا تشاهد هذه المناظر.
تلك المنظر الفاتنة هي زينة الدنيا , ولاعجب في ذلك فعندما وعدنا الله بالجنات لم يجعلها صحراء قاحلة كصحراء بني قومي لا تبتسم إلا بضعة أيام في الشتاء , لكنه وصفها بقوله: {جنات تجري من تحتها الأنهار}.
فعندما يميل المرء بطبعه للنظر في الجنان التي زينها الله وخلقها لعباده فلاتثريب عليه, فإذا قال الله لك: {حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} فن تجدها في ديار قومي إلا في بعض الأماكن, وأما هنا فترى الحدائق التي جعلها علامة على وحدانيته , حيث يقول في سياق الآية الماضية , {حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله!!}.
ربما لأنني نشأت وولدت في اعالي جبال السروا ت , في تلك الديار الحالمة في مدينة بلجرشي (رضي الله عنها) حيث النسيم البارد والليل الفاتن الناعم الجميل , لكوني تعودت على ذلك فلم يعد البحث عن الهواء البارد والمطر المنعش يطربني كثيراً , فأنا أجده بين اهلي وقومي , ربما غيري يبحث عن لغة يتحدث بها أوانتماء في منطقة باردة ساحرة , وأنا أجده هناك فإذا ماشئت ذهبت بسيارتي وأهلي ... لأهلي هناك فأهلي وأبنائي بمدينة جدة بالحجاز وقومي ببلجرشي , فلست بغريب عنهم يبحث عن حنان وعاطفة السكنى والجوار.
ومعاذ الله أن أقارن جمال طبيعتهم بالطبيعة التي نعيش فيها , فجمال الطبيعة في أوروبا شيئ لايكابر فيه إلا ناقص في العقل والفهم , ولكن مقصدي أنني قنعت من الهواء والمطر بجو يقرب منه ولكن من بعيد , والفقهاء يقولون ما قارب الشيئ أخذ حكمه.
فهل يصدق الناس أننا نجلس على ظفاف الدانوب العظيم اليوم لنتباحث مع الرفقة في أشعار الشنفرى , هنا حيث المتعة والخيال والقوم يسرحون ويمرحون ويعبثون ونحن نررد محفوظاتنا من الأدب والشعر الموروث , أمروء القيس وعنتره وجرير هنا معنا في الدانوب أو الداناو كما يسميه النمساويون , حبنا وعشقنا للغة التي أنزل الله القرآن بها وجعلها معجزة الدهر جعلنا لانفعل مثل الناس , في مدينة الجمال والتاريخ الروماني العريق قضينا قرابة الساعة ونصف ونحن نحلل ونتناقش حول قصيدة لامية العرب للشنفرى , وقد كنت وزميلي خالد الحازمي عفا الله عنه نحفظ أكثرها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ..... فإني إلى قوم سواكم لأميل
فقد حُمّت الحاجات والليل مقمر ..... وشدت مطايا لهن وأرحل
لعمرك مافي الأرض ضيق على أمرئ .... سرى راغباً أوراهباً وهو يعقل
وفي الأرض منأى لكريم عن الأذى .... وفيها لمن القلى متحول
(الناس في ماذا ونحن في قصائد وحكي لايسمن ولايغني من جوع)
هل يصدق الناس إذا حدثتهم أن بعض الباحثين النمساويين والألمان القادمين للنمسا الذين وجدناهم هنا يعيشون بين قومهم بأجسادهم , وقلوبهم معلقة في تراثنا العلمي أو الأدبي المفقود او الضائع او المتناسى!!.
المهم لن أطيل عليك في وصف مشاعري ... فقد جئت باحثاً عن التراث الذي أضعناه بأيدينا , وتسلمه غيرنا برضانا وعلمنا , التراث الذي عبث به أبنائه وحفظه أعدائه , التراث الذي لفظته الشعوب الإسلامية العربية , وحمته وحفظته الشعوب الأوروبية النصرانية!!.
عندما يعشق المرء الكتاب , وينسى نفسه حين المطالعة , لاتؤنسه الدنيا كثيراً , وإن كان هو بحق لاجة إلى النزهة , ولكن كما قال الشاعر:
¥