وذو الشوق القديم وإن تسلى ....... مشوق حين يلقى العاشقينا
فزيارة المكتبات , والوقوف على أطلال التراث , وقضاء الوقت في التنمية الفكرية والعلمية عشق يتجدد , ويذهب عنك كثيراً من كآبة الحياة.
بعد سنين طوال قررت أخيراً أن أتجول في دهاليز مكاتب وكنائس وأديرة أوروبا , وكان السبب أنه من النادر أن تقرأ كتابا يعتني بالتراث إلا وتصدم بمكان وجود المصدر الأصلي , ليدن بهولندا وهل نسيت المعجم المفهرس لالفاظ الحديث الذي استفدنا منه عشرات السنين وقد وضعه النصارى هناك , مكتبة برلين في المانيا ودهاقنة المستشرقين هناك والاف المخطوطات المفهرسة أو غير المفهرسة , المكتبة الدولية في فيينا بالنمسا , المكتبة الوطنية في باريس و الأسكوريال .. وهلم جراً ....
قد يعجب المرء من كفر الغرب وعنادهم , ولكنها سنة الله أن يبقى المؤمن ونقيضه , والمهتدي ونقيضه , وسنة التدافع شيئ كتبه ولاتبديل لحكم الله , وهذا البعد والإنحلال هو نتيجة من اغتر بالدنيا وسحره بهرجها وعبثت به خمرة الجمال الطبيعي فنسي خلقه ولماذا خلق؟.
وإذا كنت تعجب من هذا!! , فالأعجب من ذلك أنهم مع لهوهم وغيهم وضياعهم استطاعوا أن يستعمروا بلاد المسلمين عشرات السنين , واستطاعوا أن يجمعوا من التراث الإسلامي والعربي الشيئ الكثير , وهو التراث الذي سلبوه , أو إن شئت فقل حافظوا عليه , أو سخّرهم الله لحفظه والعناية به.
****************
كانت الرحلة في يوم الأربعاء التاسع والعشرين من رجب لعام 1430 الموافق 22/ 7/2009.
وسبب اختيار ها اليوم هو أنه ختام إجازة المعلمين البؤساء أمثالي الذين يرزحون تحت وطأة التعليم البالي في الدول العربية , فنحن نبقى في الدوام بعد الإمتحانات لكي نضع توقيعنا الكريم في الصباح فقط ثم نعود فوراً للمنزل.
هل سمعت يوماً عن طريقة الإقامة الجبرية التي تفرض على المجرمين بقوة القانون في مدينة معينة , إنها تعني أن يوقع الشخص في مركز الشرطة كل يوم أو في أوقات معينة , هكذا اسراب المعلمين يأتون بدون فائدة , فالمطلوب إثبات حضور فقط.
اخترت صباح الأربعاء لأدرك الخميس والجمعة , حيث أن السبت والأحد إجازة الغرب , ولذلك بادرت باستغلال الوقت والبعدعن الأيام الترفيهية التي قد لاتروقني , وإن كنت أشجع الناس وأدعوهم على التقلب في نعم الله بدون معاصي وفتن , ولكن هكذا طبيعتي أحياناً تحب الرحلة ولكن من أجل ماتعشق , وكل على هواه ورغبته.
نعود إلى فيينا , هذه الرحلة هي الأولى لبلاد أوروبا بما فيها من متاحف وسحر للطبيعة وتاريخ قائم.
دعني اذكر لك معلومة طريفة , وهي أن كلمة النمسا لاتوجد في قواميس الغرب اليوم, بل هي عندنا فقط , وأما الخرائط والمواقع إضافة للغرب وفوق هذا اهلها إنما يسمونها (أستريا) , فإياك أن تقول لألماني أو مكتب حجز للتذاكر سأذهب للنمسا ولكن قل (استريا).
لااعرف من اللغة الأنجليزية إلا اسمها وأحيانا بعض الكلمات (يس , نو , ثانك يو , ووتر , الأعداد من واحد لعشرة , وتز يور نيم) وعلى هذا يمكنك أن تقيس ثقافتي الخارجية و معلوماتي , المهم أنها لاتعدوا بعض الكلمات , ولولا عناية الله لكنت اليوم في خبر واسم كان وجميع أخواتها وشقيقاتها , ولولا أن الأخ الفاضل (خالد الحازمي) كان هناك في رحلة عمل , (يعني ليس معلماً مغلوباً على أمره مثلي , فهو يتمتع بحلات للعمل ونحو ذلك ـ ماشاء الله تبارك الله ـ) وقد رتب لي مسائل السكن , وانا معه بين العجم مثل الأطرش في الزفة اهز رأسي وأقاد لحتفي شاكراً!!.
وقبل ان اصف مكتبات فيينا وعناياتهم بالتراث والكتب , سأبدأ بك من بلد مناقض لحضارة اوربا الحديثة لتحصل المقارنة قبل الحديث عن مكتباتهم.
فقبل سنوات عندما زرنا اليمن قابلنا العلماء وزرنا داهليز الزيدية والسنة , اشتريت من هناك مخطوطات أصلية من السوق العام!! , تساومنا على أثمان بعضها ومعي الشيخ عبد الرحمن الفقيه المشرف عل ملتقى أهل الحديث , وأهُدي لي بعضها في السعودية بعد ذلك , واشتريت مخطوطات نادرة ونفيسة من السعودية من محلات عامة معروفة , وبعضها يرجع للقرن التاسع الهجري , ولازالت عندي في البيت , ورأيت كثيراً من المحطوطات والكتب النادرة تباع على الأرصفة في مصر (عيني عينك).
¥