[ضابط مهم عند طلب الدعاء من الآخرين]
ـ[أبو الطيب الروبي]ــــــــ[30 - 07 - 09, 04:55 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على آله وصحبه ومن والاه
اما بعد
فمن المشهور الشائع بين عامة الناس وكثير من طلبة العلم حرصهم على أن يطلبوا الدعاء من أهل الخير والصلاح، وهذا فعل حسن لكن بشرط أن يكون طالب الدعاء ينوي أن ينتفع هو والداعي بهذا الدعاء، لما جاء في الحديث الصحيح " إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين ولك بمثل".
فلا يكون مراد طالب الدعاء مجرد أن ينتفع بحصول مقصوده فحسب، فإنه إن كانت هذه نيته كان فعله هذا ليس داخلا في السنة فلا يثاب عليه ولا يمدح عليه بل هو من مسألة المخلوقين التي ينبغي للمؤمن أن يترفع عنها ما استطاع.
ولما كان هذا الأمر مما يخفى على كثير من الناس أحببت الإشارة إليه بنقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية حول هذه المسألة التي بينها رحمه الله تعالى موضحا المسنون فيها وغير المسنون والمشروع وغير المشروع.
قال رحمه الله:
" ومن قال لغيره من الناس: ادع لى أو لنا وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضا بأمره، ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير، فهو مقتد بالنبى صلى الله عليه وسلم، مؤتم به، ليس هذا من السؤال المرجوح.
وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته لم يقصد نفع ذلك والإحسان إليه، فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به فى ذلك، بل هذا هو من السؤال المرجوح الذى تركه إلى الرغبة إلى الله ورسوله أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله. وهذا كله من سؤال الأحياء السؤال الجائز المشروع ". مجموع الفتاوى (مجمع الملك فهد) - (14/ 63)
وقال في موضع آخر:
" فالدعاء للغير ينتفع به الداعى، والمدعو له وإن كان الداعى دون المدعو له، فدعاء المؤمن لأخيه ينتفع به الداعى والمدعو له. فمن قال لغيره: ادع لى وقصد انتفاعهما جميعًا بذلك كان هو وأخوه متعاونين على البر والتقوى، فهو نبه المسؤول وأشار عليه بما ينفعهما، والمسؤول فعل ما ينفعهما، بمنزلة من يأمر غيره ببر وتقوى، فيثاب المأمور على فعله، والآمر أيضًا يثاب مثل ثوابه؛ لكونه دعا إليه، لا سيما ومن الأدعية ما يؤمر بها العبد، كما قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]، فأمره بالاستغفار، ثم قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [النساء: 64].
فذكر سبحانه استغفارهم، واستغفار الرسول لهم إذ ذاك مما أمر به الرسول، حيث أمره أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولم يأمر الله مخلوقًا أن يسأل مخلوقًا شيئًا لم يأمر الله المخلوق به، بل ما أمر الله العبد أمر إيجاب أو استحباب ففعله هو عبادة لله، وطاعة وقربة إلى الله، وصلاح لفاعله وحسنة فيه، وإذا فعل ذلك كان أعظم لإحسان الله إليه، وإنعامه عليه، بل أجل نعمة أنعم الله بها على عباده أن هداهم للإيمان.
والمقصود هنا: أن الله لم يأمر مخلوقاً أن يسأل مخلوقاً إلا ما كان مصلحة لذلك المخلوق، إما واجب أو مستحب، فإنه سبحانه لا يطلب من العبد إلا ذلك، فكيف يأمر غيره أن يطلب منه غير ذلك؟ بل قد حرم على العبد أن يسأل العبد ماله إلا عند الضرورة.
وإن كان قصده مصلحة المأمور أو مصلحته ومصلحة المأمور، فهذا يثاب على ذلك، وإن كان قصده حصول مطلوبه من غير قصد منه لانتفاع المأمور، فهذا من نفسه أتى، ومثل هذا السؤال لا يأمر الله به قط، بل قد نهى عنه، إذ هذا سؤال محض للمخلوق من غير قصده لنفعه ولا لمصلحته، والله يأمرنا أن نعبده ونرغب إليه، ويأمرنا أن نحسن إلى عباده، وهذا لم يقصد لا هذا ولا هذا، فلم يقصد الرغبة إلى الله ودعائه، وهو الصلاة، ولا قصد الإحسان إلى المخلوق الذى هو الزكاة، وإن كان العبد قد لا يأثم بمثل هذا السؤال، لكن فرق ما بين ما يؤمر به العبد وما يؤذن له فيه، ألا ترى أنه قال فى حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب: إنهم [لا يسترقون]. وإن كان الاسترقاء جائزاً"
مجموع الفتاوى (مجمع الملك فهد) - (13/ 20)